الرياض ـ وكالات
من الانتقادات الموجهة للمثقفات والمبدعات السعوديات، أنهن، كما يتهمونهن، «حضور في الخارج، وغياب في الداخل»! لماذا، يتساءل الكاتب «طارق الثقفي» من الطائف، «تحظى المرأة السعودية بحضور ثقافي في أصقاع العالم، لكن أعمالها وشخصها تكاد تكون مجهولة داخل وطنها».
«الثقفي» نقل سؤاله لعدد من النقاد والروائيين من الرجال والنساء في السعودية، إغفال الإبداع النسوي، تقول د. إيمان التونسي عضو مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين، يعود لعدة أسباب ذات علاقة بالجمهور وبالمؤسسة الثقافية، وحذرت د. التونسي من الانخداع بما تبديه بعض المؤسسات الثقافية العربية والعالمية بالأعمال التي تنتجها المرأة السعودية، لأن هذه المؤسسات تنطلق في الواقع من معطيات لا علاقة لها بالإبداع دائماً، بل لمحاولتها التوغل في فهم واستكشاف المجتمع السعودي: «فللصحراء العربية عبق لا يزال له تأثيره على نفوس الغربيين، فهم في شغف دائم لاكتشاف تفاصيل الحياة العربية في أراضيها الشاسعة وأساطيرها وطرائق الحياة فيها. فكيف إذا كان يتعلق بالمرأة العربية التي غُيِّبت في كثير من الكتب والأفلام المعتمدة على كتب الرحالة والرحلات إلى المنطقة. حتى النزر اليسير مما ظهر، كان في معظمه من نسج الخيال. أما الآن وقد تملكت المرأة زمام الكتابة فقد أصبح الأمر أكثر جذباً للمهتمين في الخارج الباحثين عن الأصيل وغير المكرور من القضايا الأنثوية».
أما الناقد د. معجب الزهراني فيشيد بمقاومة وشجاعة المرأة المثقفة رغم «الحصار» الذي يتعرض له المنتَج النسائي ويستهدف المرأة المثقفة». ولو تغيرت بعض الوضعيات القانونية لأصبحت مشاركة المرأة أكثر تألقاً».
د. عالي القرشي، الناقد السعودي المعروف، يُقرُّ بأهمية «الخارج» في ازدهار الأدب السعودي، فالكثير من أعمالنا الثقافية المتجاوزة من حيث المستوى فكراً وإبداعاً للرجال والنساء، يقول، «أُصدِرت وأُنتُجت خارج الحدود». كُتُب د. عبدالله الغامدي مثلاً تُطبع في المركز الثقافي العربي شأنه شأن أعمال د. سعد البازعي، والروايات اللافتة تطبع خارج البلاد.
الروائي «يوسف المحيميد»، يقترب في رأيه من د. «إيمان التونسي». فالسعودية «تُعتبر بلداً جاذباً لاهتمام العالم، سواء الغربي منه أو الشرقي»، لشغفهم بمعرفة ما يحدث داخل هذا المكان، وقد تعاظم ذلك الاهتمام منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001، كما أصبح الأدب السعودي حاضراً وبقوة في المشهد العربي».
وتدخل بعض الكاتبات السعوديات بين حين وآخر نزاعات أو يتعرضن لمشاكل من كل نوع. فقد طالب القاضي بمحكمة القطيف مثلاً قبل أكثر من عام بمحاكمة الإعلامية «نادين بدير»، بدعوى إساءتها للشعب السعودي، ولهيئة الأمر بالمعروف، بحديثها مع برنامج «الحقيقة»، الذي أُذيع على جزأين، وصفت خلالها نادين البدير أعضاء الهيئة بأنهم «عصابة».
وتحدثت الكاتبة السعودية البارزة «بدرية البشر» عن قضية سرقة كتاب «لا تيأس» التي رفعتها «سلوى العضيدان» ضد عائض القرني، وصدور حكم لمصلحة سلوى وبغرامة مالية فاقت الـ300 ألف ريال سعودي، وسحب نسخ الكتاب من الأسواق. وكانت «العضيدان» قد هددت بالاعتصام أمام الوزارة إن لم تباشر حسم القضية. وقد تبين أن الشيخ القرني قد نقل 90 في المئة من كتاب سلوى دون توثيق. وتعتب سلوى العضيدان على المجتمع في رسالتها، بأن قيامته قامت عندما ظهرت خصلة شعر مثقفة في بهو فندق في الرياض، بينما سكت عن سرقة شيخ لكتابها بل وهاجمها.
ومن مستطرف حكايات الكاتبة بدرية البشر في مجال السفر والقراءة أنها كانت قادمة من لبنان إلى دبي ومعها صندوق أو كرتون من الكتب، ولكنها، بسبب الترانزيت وغيره، وجدت بدلاً عنه في المطار كرتوناً من البلح الناضج «الرطب».. وتبين أن شخصاً آخر قد أخذ الكرتون الكتب ظاناً بأنه الرطب، وأهداه لأحد أقاربه، حيث وضعه في الثلاجة، لكثرة الرطب في ذلك الموسم، ودون أن يفحص محتوياته من كتب ومراجع!
تناولت الصحافة في بعض تقاريرها نشاط المرأة السعودية في المجال الثقافي، فكتب فتح الرحمن يوسف في الشرق الأوسط عام 2010، أن الكاتبات السعوديات، في هذه السنوات العشر الأخيرة كتبن 403 من الكتب، نظير 1687 للكتاب السعوديين، علماً بأن عدد الروائيات السعوديات منذ عام 1930 حتى عام 2009 بلغ 113 روائية مقابل 288 روائياً خلال الفترة نفسها.
وتتحدث د. «ميساء خواجة»، وهي ناقدة أكاديمية في مجال الشعر، أن الرؤية الثقافية والاجتماعية في أعمال المبدعات السعوديات متفاوتة ولابد للمبدعة أن تتجاوز الهمّ الذاتي إلى الهموم الجمعية وأن تقدم رؤية إنسانية «دون أن تتوقف عند مجرد نقد المجتمع، أو تناول المسكوت عنه لمجرد التجاوز أو إثبات الجرأة في الطرح، كما يحتاج عدد منهن إلى تجاوز الضعف اللغوي الذي يلاحظ في عدد من الأعمال». أما الشاعرة «ملاك الخالدي» فترى أن الأدب النسائي السعودي «لا يقل مستوى عن الأدب النسائي في أي قطر عربي بين كبار الروائيين والروائيات العرب». ومن مناحي الجرأة في الأقلام النسائية السعودية التي تشيد الشاعرة «الخالدي» بها، والتي تظهر عمق الضغط الاجتماعي على الكاتبة السعودية، «نشر المرأة لنتاجها باسمها، والذي كان من المحظورات الاجتماعية لوقت قريب بل وما زال في بعض الأماكن».
من جانب آخر، تشتكي الروائية السعودية «زينب حفني» من احتمال سيطرة التيارات الإسلامية على الحكم في أكثر من دولة عربية بعد ثورات «الربيع العربي»، وتكاثر الفضائيات الدينية التي تنشر التطرف والإقصاء، حيث غدت المذهبية قضية مجتمعية مؤرقة وشائكة. وتعتقد الروائية والكاتبة المعروفة زينب حفني، «أن المبدعة في المملكة العربية السعودية تكتب وتنشر وسط مناخ مناوئ لإبداعها، ينظر إليها بريبة بشكل مستمر بعدما بدأت في التخلص من قيود المتشددين الذين أقصوها لفترات طويلة من الزمن. مجتمعاتنا العربية كلها ما زالت أسيرة أعرافها الاجتماعية، ولم تزل مقموعة فكرياً ومؤدلجة دينياً».
ومن ناقدات المملكة العربية أستاذة الأدب العربي د. «أشجان هندي»، وهي ناقدة أصدرت أكثر من دراسة نقدية حول الشعر السعودي، كما أنها شاعرة في الوقت نفسه، ومن مواليد «جدة»، ومن المعجبات بالموشحات الأندلسية. وترى د. هندي أن عدد النقاد في المملكة أقل من عدد المبدعين. أما أساتذة النقد في الجامعات السعودية فلا يكترث إلا القليل منهم بما يجري في الحياة الأدبية خارج أسوار الجامعة، وتضيف: «هذا الأمر يجعل اللوم يلقى دائماً على العدد القليل من نقادنا المعروفين سلفاً". (القبس، 2013/5/13).
وتعتبر الشاعرة والكاتبة السعودية، د. «فوزية أبوخالد»، «علامة فارقة في المشهد الشعري والثقافي السعودي، وواحدة من رواد شعر النثر في السعودية، حسب ما يؤكده كتاب ونقاد سعوديون». ويضيف المحرر الأدبي في الشرق الأوسط، 2012/6/3، أن فوزية أبوخالد، في رأي الناقد السعودي المعروف د. عبدالله الغدامي، «صاحبة كتابة شعرية مذهلة جداً، والشعر لديها مهم جداً، وقد قدمت صيغة أدبية مختلفة نوعياً».
وللشاعرة الكاتبة مساهمات في ميادين فكرية واجتماعية، وقضايا الحقوق والمرأة والطفولة. وقد درست بالرياض وجدة ثم بالجامعة الأميركية ببيروت، وحصلت علي درجة الدكتوراه في أطروحة بعنوان «المرأة والخطاب السياسي» من جامعة «سالسفورد» في مانشستر ببريطانيا. وقد عملت محررة وكاتبة في صحيفة «عكاظ»، ثم معيدة ومحاضرة، قبل أن تصبح عضواً بهيئة التدريس بقسم الدراسات الاجتماعية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود. وقد كتبت الشعر في عمر مبكر، حيث أصدرت ديوانها الأول «إلى متى يختطفونك ليلة العرس» عام 1973 في سن الـ14 من عمرها وهي على مقاعد الدراسة، وأصبحت كاتبة مقال يومي وهي في المرحلة المتوسطة.
وللمقال اليومي مكانة متميزة لدى بعض الكاتبات مثل «بدرية البشر» التي تقول «إن الكتابة اليومية ممتعة، أكثر إمتاعاً من المقال الأسبوعي وشبه اليومي. إنني أشبه الكتابة اليومية بمن يقود سيارته في طريق ناعم مفتوح، بينما الكتابة الأسبوعية أو شبه اليومية كمن يقود سيارة في طريق يضطر فيه للتوقف كل مرة عند إشارة حمراء أو من جراء الازدحام».
إلى جانب الكاتبة بدرية البشر، يتحدث مؤلف كتاب «الصندوق الأسود»، عبدالله المغلوث، وكتابه كما يقول عنوانه الفرعي «حكايات مثقفين سعوديين»، عن كاتبتين أخريين، «ليلي الجُهني» و«نداء أبوعلي»، الأولى من مواليد «تبوك»، شمالي المملكة من مواليد 1970، وهي روائية ترتدي النقاب، ومن أعمالها «الفردوس اليباب»، الذي يذكرنا عنوانها بقصيدة الشاعر الإنجليزي الكبير «إليوت»، ملهم الشاعرين السياب والبياتي وغيرهما.
أما الكاتبة الثانية، فهي «نداء أبوعلي»، روائية من مواليد 1983، وقد «نشرت أول رواية لها في سن الخامسة عشرة، وكتبتها قبل ذلك بعام، أما فكرة الكتابة فهطلت عليها في سن العاشرة». ويضيف المغلوث: «رفضت نداء أن يقرأ أحد منتجها -روية مزاميز من ورق- قبل النشر، تقول: «أنا نفسي لا أقرؤه حتى لا أنتقده أو أرفض نشره».
الإتحاد
أرسل تعليقك