دبي ـ صوت الإمارات
تواجه الفلبين التحديات نفسها التي تعترض مسيرة البلدان ذات الدخل المتوسط، مع تحولها نحو فئة أعلى من مستوى الدخل بفضل تطورها الاقتصادي. ورغم أن مؤشرات التعليم على المستوى الوطني والمساواة بين الجنسين تبدو جيدة إلى حدّ ما، فإن ثمة تبايناً شاسعاً وواضحاً في هذا الخصوص، في المناطق الريفية النائية، حيث لا يزال إتمام مرحلة الدراسة الأساسية ومواصلة التعليم الثانوي تحدياً كبيراً بالنسبة للفتيات، ولكن الأمر بالنسبة لماريا ذات الخمسة عشر ربيعاً، كان أكثر صعوبة، نتيجة التجارب القاسية التي مرّت بها في حياتها.
تعيش ماريا في مقاطعة ماسباتي، ويعرفها الجميع بأنها طفلة مطيعة لا تفارق الابتسامة وجهها، وكانت تدرس بجد لاستكمال تعليمها. ولكن والدها توفي، حين كانت في الحادية عشرة من عمرها، ما اضطر والدتها إلى العمل لقاء أجر لا يتجاوز 50 دولاراً فقط في الشهر؛ ولذلك لم تتمكن من تغطية الاحتياجات الأساسية لأطفالها الثلاثة. وقد أجبر هذا الوضع المزري أخت ماريا الكبرى، على ترك المدرسة والعمل في العاصمة مانيلا للإسهام في إعالة الأسرة.
وكان استكمال التعليم في المدرسة مسألةً بالغة الأهمية بالنسبة لماريا، على الرغم من المشقات الصعبة التي تعانيها وعائلتها. فقد كانت تطمح للحصول على شهادة جامعيّة وإيجاد فرصة عمل لمساعدة عائلتها. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، حيث تعرضت ماريا لاعتداءات جنسيّة متكررة، حين كانت في الثالثة عشرة، وقد منعها خوفها الشديد من البوح بالحقيقة لعائلتها، ولكن الأمر أصبح جلياً، حين ظهرت على ماريا علائم الحمل.
وبعد أن وضعت طفلها في مارس 2013، قررت التخلي عن طموحها في العودة إلى المدرسة لاستكمال تعليمها، بسبب خجلها الشديد من حالتها، وخشية التعرض للإهانة والسخرية من زملائها، وفضلت بدلاً من ذلك مساعدة والدتها في غسل الملابس وكسب المال لرعاية طفلها.
وتعرفت ماريا في العام الماضي إلى نظام التعليم البديل، وهو برنامج غير ربحي أطلقته مؤسّسة «دبي العطاء» ومؤسسة «بلان إنترناشيونال»، لمساعدة الأطفال الذين تركوا مدارسهم على استكمال تعليمهم الثانوي. وقد أتاح هذا البرنامج لماريا فرصة مثلى لاستكمال تعليمها، حيث التحقت بالبرنامج وحظيت بقبول زميلاتها وموجهها التعليمي واحترامهم، دون التعرض لأي تمييز أو إساءة، جراء التجارب المريرة التي مرت بها. ولم تقرر ماريا بعد، ما إذا كانت ستلتحق بمدرسة حكومية، بعد اجتياز اختبارات الاعتماد ومعادلة الشهادات، ولكنها في كلتا الحالتين ستحظى بدعم «دبي العطاء» و«بلان إنترناشيونال»، إذا ارتأت استكمال تعليمها عبر برنامج نظام التعليم البديل أو في المدارس الرسمية.
يعدّ التمييز بين الجنسين من الظواهر المتفشية في الفلبين، ولاسيّما في المناطق الريفية المهمّشة، حيث تضطر الأسر ذات الدخل المحدود إلى إجبار الفتيات على ترك التعليم، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة، وتأثير العادات والتقاليد البالية التي تحتّم على الفتيات التفرغ تماماً للأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، والحمل في سن المراهقة، ناهيك بعمالة الأطفال، وغيرها الكثير من المشكلات. وتنطوي معالجة هذه الظواهر على أهمية بالغة، خصوصاً أن الانتقال إلى مرحلة التعليم الثانوي، يتيح دمج الفتيات في المنظومة المدرسية التي تشجعهنّ على التعلّم واكتساب مجموعة واسعة من القدرات والمهارات، ما يساعدهنّ، في نهاية المطاف، على اتخاذ القرارات المناسبة، وانتقاء خياراتهنّ الصحيحة في الحياة، وتحسين آفاق معيشتهنّ.
أرسل تعليقك