في البداية أعاد الأوكراني سيرجي بوبكا النظر إلى الحاجز الذي اهتز قليلا ثم التفت إلى يساره وقام بتحية بعض الجماهير المحتشدة في باريس، والتي شاهدت علامة بارزة في رياضة ألعاب القوى.
فقط أعداد قليلة من الجماهير بلغت 4 الاف مشجع، تجمعوا في ظهر يوم مشمس في استاد جان بوين، ليشاهدوا السوفيتي بوبكا الذي كان يبلغ حينذاك 21 عاما، وهو يتحدى الجاذبية ويرتفع إلى أبعاد جديدة في منافسات القفز بالزانة، محققا قفزة لمسافة ستة أمتار للمرة الأولى في التاريخ، وذلك يوم 13 تموز/ يوليو 1985.
لقد كانت لحظة شبيهة لما حدث عام 1954، حينما قطع العداء الإنجليزي روجير بانيستر مسافة ميل في أقل من أربع دقائق، ليؤكد بداية عصر أحد الرياضيين الناجحين والمتميزين.
وقال بوبكا خلال مقابلة عبر البريد الالكتروني مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في الذكرى الثلاثين لقفزته التاريخية لمسافة ستة أمتار: "إنني بالتأكيد فخور وسعيد لأن أكون أول من يكسر حاجز الستة أمتار".
وأضاف: "لم يتوقع الكثيرون أن يتم الوصول إلى مسافة ستة أمتار في القرن العشرين، كان الانطباع السائد بان هذا الارتفاع لن يتم الوصول اليه قبل القرن الحادي والعشرين".
وتابع: "كان يوم 13 تموز/ يوليو، قبل ليلة واحدة من يوم العيد الوطني الفرنسي أو يوم الباستيل، وهو أعظم يوم في فرنسا، لقد قارنت الصحف الفرنسية قفزتي باقتحام الباستيل، لقد كانت قصة مميزة، كما قارن الصحفيون بيني وبين يوري جاجارين رائد الفضاء السوفيتي وهو أول إنسان يتمكن من الطيران إلى الفضاء الخارجي والدوارن حول الأرض".
وأشار: "بجانب ذلك فإن زوجتي ليليا أنجبت طفلنا الأول فيتالي قبل ذلك بأربعة أيام في التاسع من تموز/يوليو، لقد كنت ابا سعيدا، كنت أفكر في الستة أمتار كهدية لزوجتي وأبني الرضيع".
وسجل بوبكا الرقم التاريخي في المحاولة الثالثة، محسنا أفضل رقم له بنحو ستة سنتيمترات، وكان من المناسب جدا أن ذلك حدث في فرنسا صاحبة التاريخ الرياضي العريق.
وبلغ الرقم القياسي السابق لبوبكا 5.94 مترا في روما 1984، وجاء ذلك بعد دقائق معدودة من هزيمته امام الفرنسي تييري فيجنيرون، الذي سجل 5.91 مترا.
ويحمل بوبكا الرقم القياسي للقفز بالزانة في فى الملاعب المفتوحة منذ ذلك الحين قبل أن يرفع قفزته إلى 6.14 مترا في الأعوام التسعة التالية، ويبلغ رقمه الأفضل داخل القاعة 6.15 مترا، ولكن الفرنسي رينو لافيلني حطم رقم بوبكا محققا 6.16 أمتار في مدينة دانيتسك الأوكرانية العام الماضي ليصبح هو صاحب الرقم القياسي داخل القاعات.
وسجل بوبكا "الفذ" 35 رقما قياسيا كما فاز بستة ألقاب متتالية (رقم قياسي) في بطولة العالم لألعاب القوى بين عامي 1983 و1977، لكنه يمتلك ميدالية ذهبية أولمبية واحدة فقط، جاءت في أولمبياد سول 1988.
القفز لمسافة ستة أمتار في باريس كان الرقم القياسي الرابع خارج القاعة بالنسبة لبوبكا، وبعدها بدأ في تحسين رقمه القياسي بمقدار سنتيمتر واحد، حيث يعتقد الكثيرون بأنه يسعى للابتعاد بهذا الانجاز عن أي منافسة محتملة.
واعترف بوبكا بأن الأموال كانت مهمة بالنسبة له، فهو يرى أن المرء ينبغي أن يكسب مصدر رزقه، للمحافظة على عائلته، لكنه أشار أيضا إلى أن 28 من أرقامه القياسية جاءت في العهد السوفيتي حتى 1991 ، حيث كان يحصل الرياضيون على أجر ثابت ومكافأت بسيطة.
وشدد بوبكا على أن الأرقام القياسية ظلت تحديا هائلا بالنسبة له في كل مرة دخل فيها إلى الساحة الرياضية،ويضيف: "كلما ارتفع الحاجز كلما تعقدت مهمتي، أن أحسن الرقم القياسي بمقدار سنتيمتر واحد لا يعني مجرد أن ترفع قفزتك بسنتيمتر واحد عن القفزة السابقة، يتحتم عليك أن تتخطى منافسات كاملة وأن تظهر بالصورة المثالية لتفوز بها ومحاولة كسر الرقم القياسي".
وأوضح بوبكا: "أرقامي القياسية ربما تبدو وأنها تحققت بسهولة لكن هذا بعيد عن الحقيقة، كل محاولة لتجاوز حاجز الستة أمتار هي تحدي هائل، لا يهم كم رقم قياسي في جعبتك".
وكشف بوبكا عن أنه كان يحلم بالوصول برقمه القياسي إلى حاجز 6.25 مترا، مشيرا إلى القفزة التي تبلغ 6.01 مترا في بطولة العالم بأثينا عام 1997 هي أعلى قفزة قدمها، مشيرا: "لقد قفزت ما لا يقل عن 6.40 مترا"، وفقا لتحليل لتسجيل الفيديو.
وتعرض بوبكا لإصابات في وتر أخيل واعتزل ألعاب القوى في 2001، ولكنه ظل معنيا بعالم الرياضة حيث يترأس اللجنة الأولمبية في أوكرانيا، ويشغل عضوية اللجنة الأولمبية الدولية كما يتطلع إلى خوض انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي لألعاب القوى الشهر المقبل في مواجهة البريطاني الشهير سيباستيان كو.
وبالحديث عن خليفته المحتمل، أشار بوبكا إلى أن الفرنسي رينو لافيلني "موهبة حقيقية" سواء داخل الصالات او فى الملاعب المفتوحة، مشيرا إلى أنه بات مستعدا "لتحقيق أرقام قياسية جديدة"، ولكن فقط "إذا حافظ على مستوه الحالي".
ونجح 18 رياضيا في تجاوز حاجز الستة أمتار ولكن في الوقت الذي استغرق فيه الأمر 22 عاما للانتقال من حاجز الخمسة أمتار التي سجلها الأمريكي بريان ستيرنبرج في 1963 وصولا إلى إنجاز بوبكا، فإن "قفزة السبعة أمتار تظل بعيدة عن الأفق على الأقل في الوقت الراهن".
وأشار بوبكا: "بالكاد تخيلت إمكانية القفز لهذه المسافة، ولكن في 1980 لم يكن أحد يتخيل إمكانية الوصول إلى حاجز الستة أمتار في القرن العشرين، السبعة أمتار قد تحدث في المستقبل البعيد".
أرسل تعليقك