بين تسعة فنانين ترشحوا للمنافسة على جائزة الفنانين الشباب لعام 2016، من أصل ما يزيد على 30 مشاركاً في المسابقة التي تعرف اختصاراً باسم «اليايا»، وتحمل اسم الفنان الراحل حسن حوراني، وتقدّمها مؤسسة عبدالمحسن القطان في مدينة رام الله، كان الحضور الطاغي أنثوياً هذه المرة، فقد ترشّحت ثماني فنانات للمنافسة النهائية المنوي الإعلان عنها في العاشر من الشهر الجاري. والمرشحات هن: أسمى غانم، آية قرّش، إيناس حلبي، ربى سلامة، سومر سلام، مجد المصري، مجدال نتيل، نور عبد، ومنهن من يقمن في أميركا وأوروبا إضافة إلى غزة ومدن الضفة الغربية بما فيها القدس، مقابل فنان واحد هو عبدالله.
منذ انطلاقها في عام 2000، تحقق الجائزة نجاحات كبيرة، وخرّجت على مدار ثماني دورات سابقة، فنانين بات لهم حضورهم العالمي وليس المحلي والعربي فحسب، في حين يأمل القائمون على المسابقة، بأن تشكل الدورة التاسعة هذه السنة إضافة نوعية، كون الأعمال جميعها، ووفق اشتراط مسبق، تتمحور حول أعمال فنية متعددة حول مفهوم العودة، تماشياً مع شعار فاعليات قلنديا الدولي، الذي تنتظم في إطاره، وهو «هذا البحر لي»، بينما يحمل معرض الفنانين المرشحين للتنافس على الجائزة عنوان «تمييز الأنماط».
وعبّر محمود أبو هشهش، مدير برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبدالمحسن القطان، عن فخره بما تحققه الجائزة المتواصلة منذ 16 سنة، «بل إنها تخطو خطوات حثيثة إلى الأمام، إن كان على مستوى التنظيم، أو العمل مع قيّمي معارض ذوي خبرات دولية، أو باستمرار العمل مع لجان تحكيم من دول عدة ولهم تاريخ مهم في مجال الفنون البصرية، أو على مستوى ما يقدم من أعمال».
وأكد أن المسابقة أثبتت حضورها الخاص «عبر السجل الحافل للفنانين والفنانات الفلسطينيين في الداخل والشتات ممن شاركوا فيها في السنوات الماضية، وجلّهم بات من الأسماء المهمة على المستوى الدولي في ما يتعلق بالفن المعاصر، بل نجحوا في نقل الرواية الفلسطينية عبر أعمالهم إلى العالم. ومن بينهم على سبيل المثل، هاني زعرب الذي بات من أهم الفنانين الشباب عالمياً، ومثله حازم حرب، وستيف سابيلا، ومحمد جحا، وشادي حبيب الله... والقائمة تطول ممن باتوا يحتلون مواقع مرموقة في إدارة مؤسسات ثقافية وفنية، إضافة إلى الساحة الفنية لمن يمارسون أنماطاً جديدة ومتنوّعة من الفنون».
ورأى أبو هشهش في حديثه إلى «الحياة»، أن مسابقة «اليايا» ساهمت «في إحداث حالة من التنوع الفني في المشهد الفلسطيني، فبعدما كانت الممارسات الفنية تقتصر في غالبيتها على اللوحة أو النحت أو غيرهما من الممارسات التقليدية، بات يحضر «الفيديو آرت» و»الديجيتال آرت» أو الفن الرقمي بقوة وعمق في الكثير من الأعمال، وكذلك في ما يتعلق بالأعمال التركيبية والإنشائية وفن الأداء.
وحين انطلقت المسابقة، كانت تعاني فلسطين حالة من الفقر في البنى التحتية المهيأة لاستقبال مشاريع فنية مبتكرة، وعلى رغم انطلاقتها مع انطلاق الانتفاضة التي عرفت باسم انتفاضة الأقصى عام 2000، فإنها قاومت كل العوائق وواصلت طريقها باتجاه الدورة التاسعة، بحيث تنتظم مرة كل سنتين، وهو ما دفع القيّمين على المعارض إلى البحث عن حلول خلاقة لإيجاد أماكن لعرض هذه الأعمال الجديدة وبروح جديدة أيضاً، منها عروض في مبنى قيد الإنشاء، وفي المحكمة العثمانية، وعند مستديرة المنارة وميدان ياسر عرفات (مستديرة الساعة) وسط مدينة رام الله، أو عبر شاشات الإعلانات الإلكترونية أو الثابتة في الشوارع. وساهم ذلك في إيجاد روح جديدة على مستوى المضامين التي باتت أكثر جرأة، وتحمل من النقد ما تحمله بطرق فنية مبتكرة ومتنوعة، بعضها لم يكن مألوفاً.
ومع استثناءات بسيطة، كانت الأعمال الفنية الفلسطينية حتى نهاية تسعينات القرن العشرين حبيسة فلسطين، حتى لأولئك الفنانين من جيل الرواد، أو الجيل الذي تلاه، كسليمان منصور، نبيل عناني، تيسير بركات، وخالد حوراني.
وكانت سياقات العرض الخارجي سياسية ذات علاقة بفكرة التضامن مع الشعب الفلسطيني أكثر من كونها تعاطياً مع فن منافس عالمياً، مع أن هؤلاء الفنانين أنفسهم، وكما أشار أبو هشهش، باتوا اليوم فنانين عالميي الشهرة، وبات الاحتفاء بهم كفنانين وليس كمقاومين، مع تقدير الدور الذي لعبوه في المقاومة الفلسطينية عبر لوحاتهم.
كما أن اقتصار الشكل القديم من التعبير على اللوحة زاد من صعوبات انتشار الفن الفلسطيني خارج فلسطين لصعوبة نقل هذه اللوحات، وهو ما اختلف كلياً الآن مع التطور التقني.
وقال أبو هشهش: «يمكن القول إن مسابقة الفنان الشاب ساهمت بذلك كثيراً، وهذا لا يقلل من أهمية اللوحة، فالفنان بشار خلف الفائز بالدورة الأخيرة من المسابقة، فاز بعمل فني هو عبارة عن لوحات مبتكرة تحاكي لوحات الفنان سليمان منصور، مع أن اللوحة ربما لم تعد قادرة على التعبير عن تعقيدات الزمن الحالي، كما الوسائط الأخرى».
وحول انعكاسات وجود «اليايا» في إطار منتدى قلنديا الدولي، بعدما كانت حدثاً مستقلاً بذاته، شدد أبو هشهش على أن ذلك «لم ينتقص من استقلالية المسابقة، أو يغيّر تقاليدها، بل إن وجود قلنديا الدولي هو إضافة الى كل نشاط مكوّن من مكونات هذه التظاهرة التي تضم العديد من المؤسسات الثقافية والفنية والمجتمعية والأهلية والجامعات والمتاحف وغيرها، والتي هي تتحد في إطار الثيمة، لكنها مستقلة في الوقت ذاته».
والمختلف هذه السنة، أنها لم تعد «مسابقة حرة بالعمل حول الموضوع، لكنها تحمل ثيمة معينة تحت مظلة قلنديا الدولي، بحيث تكون هذه الثيمة هي الجامعة لكل فاعليات التظاهرة الفنية البصرية الأكبر في فلسطين».
أرسل تعليقك