يشكل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير بالموافقة على رفع علم فلسطين أمام المقار الرسمية للمنظمة الدولية في نيويورك وجنيف وفيينا انتصارا جديدا للفلسطينيين في حملتهم الدبلوماسية المكثفة للحصول على اعتراف بدولتهم.
وقوبل القرار بترحيب واسع من مختلف الأطياف والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، حيث اعتبروه "انتصارا جديدا" لعدالة القضية الفلسطينية ولنضال الشعب الفلسطيني لانتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
ودعوا إلى البناء على هذه الخطوة الرمزية ذات المدلول السياسي العميق والمكتسبات التي تتحقق في الأمم المتحدة من أجل العمل على تنفيذ قراراتها ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة فجر الجمعة الماضي بغالبية (119) صوتا، ومعارضة (8) دول بينها الولايات المتحدة وإسرائيل ، وامتناع (45) دولة عن التصويت،الموافقة على رفع علم فلسطين إلى جانب أعلام دول العالم الأخرى أمام مقرات الأمم المتحدة.
وينص القرار على قيام الجمعية العامة برفع أعلام الدول غير الأعضاء التي لها صفة المراقب في مقرها وفي مكاتب الأمم المتحدة ، وأن يكون لهذه الدول بعثات في المقر، كما يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات الضرورية لتنفيذه خلال عشرين يوما من تاريخ اعتماده، وهو ما سيتزامن مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة،حيث سيلقي كلمة أمامها في 30 سبتمبر الجاري.
واعتبر الرئيس "أبو مازن" قرار رفع العلم الفلسطيني أمام مقرات الأمم المتحدة أنه "إنجاز وخطوة مهمة" في مسيرة القضية الفلسطينية،لكنه أشار إلى ضرورة عدم تضخيمها والمبالغة فيها.
وقال خلال كلمة ألقاها في المنتدى الأول للمبدعين في فلسطين (السبت) الماضي: "لا نريد أن نضخم ما عملناه، هو لبنة في بناء الوطن، وخطوة مهمة، حيث أصبح العالم يتفهم الآن شؤون ومتطلبات الشعب الفلسطيني، وكما رفعنا علم فلسطين في الأمم المتحدة سنرفعه في القدس".
وأضاف أن عدد الدول التي لم تدعم هذه الخطوة كان 8 دول، فيما كان عدد الدول التي صوتت ضد الاعتراف بفلسطين 9 دول ، مما يعني أن عدد الرافضين للاعتراف بالحقوق الفلسطينية يتناقص، مقابل تزايد المواقف المؤيدة لفلسطين.
وأصبحت فلسطين "دولة مراقب غير عضو" في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012، بعد تصويت 138 دولة في الجمعية العامة على قرار في هذا الخصوص من إجمالي الدول الأعضاء الـ193.
ومنذ ذلك الحين ، انضمت دولة فلسطين إلى عدد من وكالات وهيئات الأمم المتحدة ومعاهداتها وأخيرا إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في أبريل الماضي، لكنها لا تتمتع حتى الآن بعضوية كاملة في المنظمة الدولية.
ووصف صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية القرار الأممي بأنه انتصار للحرية والعدل والاستقلال ودحر للاحتلال والاستيطان والقهر وفقا لبيان صادر عن مكتبه.
وقال عريقات إن رفع علم فلسطين ليس مجرد مسألة رمزية وإنما تصويت ضد مخططات الحكومة الإسرائيلية في بناء المستوطنات وفرض الحقائق على الأرض.مؤكدا أن "مفتاح الانتصار على الإرهاب والتطرف يتم من خلال نيل الشعب الفلسطيني استقلاله".
بدورها،عبرت حركة "حماس" عن شكرها وتقديرها لموقف جميع الدول التي صوتت لصالح القرار.داعية إلى البناء على هذه الخطوة الرمزية ومواصلة الجهود لتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في الحرية وتقرير المصير.
وقال النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد بحر وهو قيادي بارز في الحركة:"نحن نرحب بكافة الخطوات التي من شأنها أن تدعم حق الشعب الفلسطيني في استعادة حقه المسلوب وتحقيق تطلعاته بالحرية".
ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات حقيقية ملموسة تجاه وقف الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.مطالبا الأمم المتحدة بتحمل مسئولياتها تجاه القضية الفلسطينية، ودعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في استعادة أرضهم وعودتهم إلى وطنهم.
أكد بحر أن المقاومة الفلسطينية هي التى ستحقق السيادة الفلسطينية الحقيقية برفع علم فلسطين على أسوار القدس بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.
أما وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي فقد وصف القرار بأنه "لحظة تاريخية". وقال إن "الدول التي صوتت لصالح القرار منسجمة مع مبادئها وترسل بتصويتها الإيجابي رسالة أمل إلى الشعب الفلسطيني".
ومن أبرز الدول التي دعمت مشروع القرار إلى جانب الدول العربية : بنجلاديش، والبرازيل، وكمبوديا، وكوبا، وتشاد، والسلفادور، وإندونيسيا، وماليزيا، ومالي، والنيجر، وباكستان، وتركيا.
ودعا المالكي "الدول التي امتنعت عن التصويت أو صوتت ضد (القرار) إلى مراجعة مواقفها والوقوف عند مبادئها وأن تتوقف عن الكيل بمكيالين"، معبرا عن أمله في أن "يتم الاعتراف بدولة فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة".
وصوتت إسرائيل والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ضد قرار رفع العلم الفلسطيني.في حين صوتت روسيا والصين مع القرار.فيما تباينت المواقف الأوروبية رغم جهود كثيفة بذلت لاتخاذ موقف مشترك.
فقد أيدت فرنسا والسويد وإيطاليا وإسبانيا القرار في حين امتنعت ألمانيا وبريطانيا والنمسا وفنلندا وهولندا وقبرص عن التصويت.
وعلق المحلل السياسي الفلسطيني توفيق أبو شومر على قرار الجمعية العامة برفع العلم الفلسطيني قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط :"القرار جيد وله دلالة رمزية على أن هناك توجها في المجتمع الدولي يسعى لإقامة الدولة الفلسطينية حتى ولو كان الرمز مجرد "قطعة قماش".
واعتبر أبو شومر أن القرار "يمثل هزيمة ساحقة لإسرائيل التي حاولت خلال الفترة الماضية ثني كثير من الدول الأعضاء في الجمعية العامة عن هذه الخطوة".
وتابع:"إسرائيل هزمت في الأمم المتحدة ،وحتى هذه الخطوة الرمزية لا تقبلها لأنها تضر بمصالحها وتنزع شرعيتها على الساحة الدولية ، والمتابع لوسائل الإعلام العبرية عقب صدور القرار يلحظ ذلك".
وأضاف:"الشق المزعج لإسرائيل في القرار أن هناك رأيا عاما عالميا يؤمن بحق الفلسطينيين في تكوين دولتهم...وهناك أيضا رغبات لدى كثير من الدول حتى الكبرى للاعتراف بفلسطين كدولة، وهذا يعزز وجهة النظر الفلسطينية والجهد الدبلوماسي العربي ويجعل من هذه الخطوة الرمزية خطوة للأمام بشرط متابعتها بشكل جيد".
وشدد أبو شومر على أن "المتابعة هي الأهم من قضية الرمزية والاحتفالية بالقرار".مضيفا:"المطلوب معرفة الدول التي صوتت ضد القرار والتي امتنعت عن التصويت وتحديد أسباب اتخاذها لهذه المواقف..وهذا ما تفعله إسرائيل من خلال سفيرها في الأمم المتحدة رون بروس أور".
واتهم السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة رون بروس أور ، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية ، الفلسطينيين باتخاذ الأمم المتحدة "رهينة" منددا بـ"بادرة رمزية لا قيمة لها" في إشارة إلى قرار رفع العلم الفلسطيني.
وقال "أور" ،الذي سيغادر منصبه قريبا ، ساخرا:"هذه الجمعية العامة ستصوت على أن الأرض مسطحة لو اقترح الفلسطينيون ذلك" .متابعا "الوسيلة الوحيدة (بالنسبة للفلسطينيين) للحصول على دولة هي المفاوضات المباشرة" مع إسرائيل.
واعتبر "أور" في تصريحات نقلتها الإذاعة الإسرائيلية العامة أن معاملة الأمم المتحدة لإسرائيل "مجحفة بشكل مؤسساتي" وأن القرارات المستنكرة لإسرائيل تعتمد تلقائيا مرارا وتكرارا.
وقال:"الأمم المتحدة تسمح للفلسطينيين بمواصلة مناوراتهم الإعلامية الجوفاء دون محاس
أرسل تعليقك