تساءل الكاتب الأمريكي آرون ديفيد ميلر عما يمكن لـ فلاديمير بوتين أن ينجز في سوريا.
واستهل مقالا نشرته الـ وول ستريت جورنال بالتأكيد على أن التحركات العسكرية الروسية ستطيل أمد نظام الأسد ليس إلاّ. واستبعد ميلر ما ترمي إليه بعض التكهنات من أن يكون استعداد بوتين بوضع كامل قوته العسكرية وراء الأسد- بمثابة تغيير لمعادلة القوة على أرض المعركة، ورجح استمرار الحرب الدموية في سوريا دونما أي تغيير فوري أو جذري لتلك المعادلة.
ورأى في المقابل أن المغير الحقيقي للمعادلة يتطلب ردا جادا من جانب أمريكا وحلفائها في المنطقة ضد تحركات فلاديمير بوتين، إضافة إلى التعهد بشن حرب بالوكالة تكون باهظة الكلفة ضد بوتين في سوريا .. وهذه الأمور تبدو بعيدة جدا عن الحدوث.
ونوه ميلر إلى أن البعض قبل عام كان ينظر إلى ضم بوتين لشبه جزيرة القرم وإلى جهوده لزعزعة الأوضاع في أوكرانيا، باعتبارها بمثابة تغيير جوهري لمبادئ العلاقات الخارجية. واعتقد كثيرون وقتذاك أن العالم على حافة حرب باردة جديدة، على أن تكون منطقة البلطيق أو حتى بولندا هي المحطات المقبلة لـ بوتين.
وأضاف ميلر قائلا إن كثيرين الآن يعتقدون أن تحركات بوتين في سوريا هي على نحو ما بمثابة "ضربة معلم"، وأنها بداية عودة لروسيا في الشرق الأوسط وتعاظم النفوذ الروسي بالمنطقة. أكثر تلك الرؤى رجاحة هي أن بوتين، الغاضب من إطاحة الغرب بمعمر القذافي في ليبيا وتنامي الاضطراب في الشرق الأوسط، يرى سوريا ودعم الأسد -الحليف القديم لروسيا- بمثابة فرصة سانحة يستطيع من خلالها العمل على إحباط الرؤى الأمريكية لتلك المنطقة.
وتابع الكاتب قائلا إن بوتين يجيد اختيار التوقيت ببراعة، وهو لا يخشى المغامرة، لا سيما وأنه يدرك أن تحركاته لن تجابه بالكثير من المقاومة. ويمكن القول أن تدخل بوتين في سوريا لم يكن خطوة عدائية على الإطلاق بقدر ما كان جهدا لإنعاش نظام متهالك. وإذا بدت تحركات بوتين جرئية فذلك إنما هو لأن الوضع السوري ظل متجمدا في حال دموي على مدى سنوات؛ حيث أمريكا تعوزها استراتيجية متناغمة؛ فيما تمتلك روسيا حلفاء لها على الأرض متمثلين في إيران وميليشيا حزب الله ممن يمكنهم القتال الفعلي .. وعليه، فعند مقارنتها بحالة الارتباك التي تعانيها السياسة الأمريكية، تبدو استراتيجية بوتين عبقرية.
ومضى ميلر قائلا إن سوريا قد تبرهن على أنها مصيدة لـ فلاديمير بوتين، لكنها لن تكون تكرارا لأخطاء روسيا في أفغانستان. وحتى لو أراد، فإن بوتين لن يدعم ولا يستطيع الاسترسال طويلا في حملة يمكنه من خلالها وضع سوريا كاملة مرة أخرى تحت سيطرة الأسد. أقصى ما هنالك أن تستطيع روسيا -بالتعاون مع حلفائها في إيران وسوريا ولبنان- إنعاش نظام الأسد، مع إضعاف جبهة المعارضة، ولربما تساعد في توطيد أركان دويلة عَلوية على نحو خُمْس مساحة سوريا الذي تسيطر عليه قوات الأسد.
وأكد الكاتب على لسان المحلل الاستراتيجي أنتوني كوردسمان أنه لا يمكن لأية قوة خارجية إصلاح الأوضاع في سوريا أو إعادة تنسيق فسيفسائها إلى سابق عهدها.. إن ما يمكن لـبوتين أن يفعله هو الحد من خيارات أمريكا وحلفائها في دعم معارضي الأسد، وضمان تجميد آخر للصراع على نحو تطول معه مدة بقاء نظام عميله السوري على قيد الحياة.
وأكد ميلر على أن ما يحدث ليس تغييرا في معادلة القوة على الأرض، وأن بوتين لا يستطيع أن يغير هذه المعادلة على نحو جذري ونهائي دونما ضخ أعداد أكثر ضخامة من القوات العسكرية الروسية وتحديدا القوات البرية. ويبدو بعيدا بدرجة كبرى أن موسكو ستنشر هذه القوات البرية بتلك الأعداد الضخمة. ولن تستطيع روسيا حسم الحرب لصالح الأسد من الجو. فقط يمكنها الإبقاء على نظامه.
ومضى ميلر "لا يبدو واضحا كيف يرى بوتين الوضع في سوريا بعد عام من الآن. هل هذه التحركات العسكرية هي بمثابة جهود ترمي إلى: التفاوض على عملية انتقال سياسية بوساطة روسية لضمان خروج آمن للأسد؟ أم ترمي إلى تكوين دويلة علوية يحكمها الأسد؟ أم إلى مجرد الإبقاء على التواجد في مستنقع بلا قرار من الفوضى هو سوريا؟ نحن لا ندري."
واختتم ميلر قائلا إن شيئا وحيدا واضح وهو أن العقبات كأداء للغاية أمام أن يؤدي تدخل بوتين في سوريا إلى تغيير جذري للقوى على الأرض ووضع نهاية للفوضى التي تشهدها البلاد، لن يتم ذلك حتى حال قيام أمريكا بجهود أكثر جدية على صعيد فرض منطقة حظر جوي أو إمداد المعارضة السورية بأسلحة أكثر تطورا.
أرسل تعليقك