بدأت الثلاثاء أعمال مؤتمر "بناء الدولة: تحدي ما بعد انتهاء الصراعات الداخلية في دول التغيير العربية" الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بالتعاون مع كلية السياسات والشؤون الدولية - SPIA أس بي آي ايه " في جامعة "مين" الأميركية.
وشارك في أعمال المؤتمر وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان ووزير الدولة للشؤون الخارجية السابق محمد حسين الشعالي وبعض المسؤولين والدبلوماسيين المعتمدين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة ونخبة من الباحثين والأكاديميين العرب والأجانب وبحضور لفيف من الكتاب والصحفيين ورجال الإعلام المرئي والمسموع وعدد من المثقفين والمهتمين.
وأكد وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان أهمية عقد المؤتمر في هذه الظروف، مشيرا إلى نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة الناجح في تحقيق الاستقرار والرخاء في ظل قيادة رشيدة كان لها الدور الأهم والأبرز في بناء الدولة ووضع أسسها.
وأبدى بعض الملاحظات حول موضوع المؤتمر، أولاها ، ضرورة التعرف إلى العوامل المختلفة التي أدت إلى الوضع الراهن في دول التغيير العربية وهي عوامل داخلية تتمثل في ضعف مؤسسات المجتمع ووجود صراعات داخلية وطائفية وصعوبة الأوضاع المعيشية وحدوث انفصام بين الشعب وقادته وهذا بالإضافة إلى زيادة أعداد الشباب وتنامي آمالهم وطموحاتهم في التعليم والتوظيف والحياة الكريمة وعدم القدرة الكاملة للنظم الاقتصادية والمجتمعية في تلك الدول على توفير الفرص الاقتصادية الملائمة والمتكافئة لهؤلاء الشباب ، بل وما يتسم به النظام في غالب الأحيان من عدم الكفاءة وعدم الشفافية والممارسات الخطأ التي تحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع بالإضافة إلى حدوث تفكيك طائفي في المجتمع وتزايد نفوذ جماعات وطوائف أصبحت منافسة قوية لنفوذ الدولة نفسها وبعضها كما نلاحظ قد يرتبط بتحالفات إقليمية أو دولية غير سليمة فضلا عن وجود دور مهم للقوى الخارجية في إحداث التغييرات التي نشهدها في المنطقة وإدارتها.
وأوضح أن إعادة بناء الدولة في هذه الظروف وفي ضوء التجارب في مناطق أخرى من العالم هي أمر شاق يتطلب قيادة حكيمة ورؤية واضحة لمستقبل الدولة وعزما قويا للشعب والقيادة بل مثابرة أكيدة ونظرة طويلة الأمد، ويؤكد ذلك ما تشهده هذه الدول من تحديات هائلة ومنها: الانفلات الأمني والحاجة الماسة إلى توفير الأمن والأمان للسكان سواء في ذلك الأمن الداخلي أو الأمن الخارجي وحماية حدود الدولة، ومن التحديات أيضا تلك الطامة الكبرى التي تتمثل في المنظمات الإرهابية إلى جانب التحديات الاقتصادية والسياسية.
وأكد وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع أن المناخ الذي يسود عملية بناء الدولة هو أيضا أمر مهم للغاية لتحقيق النجاح وهذا المناخ لا بد أن يرتكز على الوفاق ونبذ الخلافات ومبادئ المواطنة والعدالة وجعل مصلحة الدولة فوق مصلحة الأفراد وفوق مصلحة الجماعات والطوائف.
وأشار إلى أهمية دور دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مساعدة دول التغيير العربية في عملية بناء الدولة باعتبار أن هناك مصالح مشتركة لها معها في مجالات الأمن القومي ومجالات السياسات الخارجية والعلاقات مع دول العالم والحاجة الواضحة إلى تشكيل تحالف استراتيجي عربي شامل يكون نموذجا جيدا للعمل الإقليمي الهادف والناجح والمتطور.
من جهته قال مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي ان منطقة الشرق الأوسط شهدت منذ نهاية عام 2010 تحولات كبيرة في البنى السياسية والأمنية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية لدول التغيير العربية، كما شهدت تلك الدول بداية من ذلك العام صراعات داخلية وحروبا نجم عنها تدفق الملايين من اللاجئين والنازحين داخليا وخارجياـ ونحن نتابع كل يوم الأخبار عن تدفق أعداد منهم إلى دول العالم كلها تقريبا عبر المنافذ البحرية والبرية المتاحة أمامهم حاملين معهم الأمل في حياة آمنة ومستقرة لهم ولأولادهم وهذا ما يجعلنا نشعر بأهمية موضوع مؤتمرنا هذا عن كيفية بناء الدولة بعد انتهاء الصراعات وحيويته.
واوضح إن مفهوم بناء الدولة بعد انتهاء الصراعات يعني بناء السلام الدائم وإرساء الأسس اللازمة لذلك من خلال اتخاذ إجراءات متكاملة ومنسقة تهدف إلى معالجة الأسباب الكامنة وراء العنف سواء كانت تلك الأسباب سياسية أو قانونية أو مؤسسية أو عسكرية أو إنسانية أو تتصل بحقوق الإنسان أو غيرها من الأسباب البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديموغرافية.
وبيّن "يمكن أن ينظر إلى بناء السلام بعد انتهاء الصراع على أنه استراتيجية طويلة الأجل لمنع نشوب الصراعات واندلاعها، ولأن أسباب الصراعات تتباين فإنه يجب وضع إجراءات وسياسات تتناسب مع طبيعة دول المنطقة وما شهدته من تغيرات كبيرة لتحقيق الاستقرار في المنطقة وعدم السماح بعودتها إلى خضم الصراعات والاضطرابات مجددا فكما تؤكد تقارير منظمة الأمم المتحدة في هذا المجال ليس هناك نموذج موحد لبناء السلام في الدول بعد انتهاء الصراعات حيث تتميز كل منطقة بوجود خصائص معينة تختلف عن غيرها".
وأكد أن تلك التجارب والخبرات السابقة أثبتت أهمية تعاون الأطراف المحلية والإقليمية والدولية كافة من أجل إنجاح خطط بناء الدول في أعقاب الصراعات الداخلية وهو ما نتطلع إلى حدوثه في حالة دول التغيير العربية.
وذكر "لقد أسهمت دولة الإمارات العربية المتحدة مع باقي الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تقديم العون بأشكاله المختلفة المالية والعينية والطبية وغيرها إلى اللاجئين والنازحين في دول التغيير العربي سواء في بلدانهم أو خارجها إيمانا منها بدورها في تخفيف تلك المعاناة الإنسانية عنهم وحرصا على أن تكون جزءا من الحل وليس من المشكلة".
وألقى وزير الدولة للشؤون الخارجية السابق محمد حسين الشعالي الكلمة الرئيسية الثانية للمؤتمر وتحدث فيها عن العوامل التي أدت إلى تعثر جهود البناء في بعض الدول العربية ورأى أن تجربة اتحاد دولة الإمارات تقدم نموذجا مهما يمكن لدول التغيير العربية الاستفادة منه في تجاوز المرحلة الانتقالية التي تمر بها.
وأكد أن اختيار مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية موضوع "بناء الدولة: تحدي ما بعد انتهاء الصراعات الداخلية في دول التغيير العربية" يدل دلالة واضحة على أولويات المركز واهتماماته التي أخذها على عاتقه في البحث والدراسة وخاصة فيما يتعلق باستشراف المستقبل.
أرسل تعليقك