علقت شرائح واسعة من المصريين آمالا كبيرة على تغييرات اجتماعية جذرية مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى السلطة في 2013، لكن تبين لهم ان مثل هذه التغييرات لا تزال بعيدة المنال في مجتمعهم المحافظ.
واعتقد كثيرون بعد اطاحة الرئيس الاسلامي محمد مرسي ان مصر بقيادة السيسي ستتجه نحو مزيد من الليبرالية، لكن وبعد عامين على وصوله، بدأت هذه الآمال تتلاشى في ظل حملة القمع الواسعة وغير المسبوقة ضد الحريات الشخصية التي تقوم بها السلطات في حق الناشطين والكتّاب والصحافيين والمثقفين والراقصات والمثليين وغيرهم.
ويقول المحامي الحقوقي نجاد البرعي لوكالة فرانس برس ان الامر "لا يرتبط بالتضييق في مجال السياسة فقط لكن ايضا في مجال الحريات"، مشيرا الى ان قمع السلطة للمعارضين السياسيين يشير الى صعود في الاتجاه المحافظ.
ويضيف "انظمة الصوت الواحد تكون محافظة بطبيعتها".
وتعهد السيسي بعيد اطاحة مرسي بان الدين لن يستخدم في السياسة مجددا، بعد الاحتجاجات على اداء جماعة الاخوان المسلمين واتهامها باستخدام الدين لترسيخ سلطتها. لكن تصرفات السلطة لم تعكس هذا التعهد.
وأسعدت دعوة السيسي مطلع العام 2015 الى إحداث "ثورة دينية" لتحديث الفكر الاسلامي.
لكن في نيسان/ابريل من العام نفسه، اُوقف برنامج تلفزيوني من اعداد الباحث الاسلامي اسلام البحيري "استجابة للامام الاكبر للازهر الشريف، حسبما اعلنت القناة التي تبثه آنذاك.
وتعليقا على الموضوع، قال السيسي "عندما تكلمت عن الخطاب الديني، طرحت عنوانا ولم ادخل في التفاصيل (...)، لكنني وجدت كلاما ليس لمصلحة هذه القضية".
واضاف ان تجديد الخطاب الديني "لن يتم بين يوم وليلة ولن يتم بهذه الطريقة"، في اشارة الى برنامج البحيري، ومعتبرا ان ذلك لا بد ان يتم عبر "مؤسسات الدولة وباسلام مسؤول".
وحُكم على البحيري بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة "ازدراء الاديان" بعد مهاجمته في برنامجه كتب التراث التي تتضمن وفقا له تفسيرات للقرآن والسنة تستند اليها التنظيمات المتطرفة مثل "الدولة الاسلامية" و"القاعدة".
وخفضت لاحقا العقوبة لسنة واحدة.
وفي كانون الاول/ديسمبر الفائت، قال البحيري عقب تخفيض حكم السجن بحقه متوجها الى السيسي، "دعوتَ لثورة دينية لكن الذين تولوا المهمة يُسجنون".
ويرى البرعي ان "الازهر اليوم له نفوذ سياسي اكثر من عهد مبارك".
وينص الدستور المصري على ان "مبادىء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، لكن دستور 2014 عزز من دور الازهر.
وتنص المادة السابعة من الدستور المصري على الازهر هو "المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية".
- ادباء وفنانون وراقصات ومثليون -
وأصبح المؤلف أحمد ناجي أوّل أديب يُسجن لخدش "الحياء العام"، بعد ان نشرت صحيفة مملوكة للدولة مقتطفات من روايته تصف مشهدا جنسيا. وصدر حكم بالسجن سنتين في حقه.
وصدر حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات على الكاتبة فاطمة ناعوت لإدانتها بـ"ازدراء الاديان" بعد انتقادها في تدوينة على موقع "فيسبوك" الالكتروني "ذبح الاضاحي" في أعياد المسلمين. وهي الآن خارج البلاد.
وتم توقيف وسجن ثلاث راقصات هن شاكيرا وبارديس ورضا الفولي لادانتهن بنشر "الفواحش" في مقاطع فيديو.
وتدهور وضع المثليين الذين يتعرضون للقمع اجمالا في كل الدول العربية.
ويقول نبيل (اسم مستعار) انه عانى وغيره من المثليين المصريين اضطهادا مستمرا من الدولة والمجتمع طيلة حياته، لكن مع وصول الاخوان المسلمين الى الحكم في العام 2012، خشي سيناريو اسوأ ما اضطره الى الهرب الى الولايات المتحدة.
ويضيف لفرانس برس "الامور اصبحت اسوأ. مصر عادت الى الوراء". وحصل نبيل على حق اللجوء في الولايات المتحدة.
في نيسان/ابريل الفائت، حُكم على 11 مثليا مصريا بالسجن بين ثلاث و12 سنة بعد ادانتهم بالفجور.
ووثقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة حقوقية مستقلة، مئتي قضية على الاقل ضد مثليين في مصر منذ عزل مرسي.
وتقول مديرة ملف النوع الاجتماعي وحقوق النساء في المنظمة داليا عبد الحميد ان "الاحكام مخيفة" بحق المثليين.
ويقول نشطاء مصريون ان الحريات في مصر شهدت انتعاشا قصيرا بعد الثورة التي أسقطت حسني مبارك في العام 2011، لكنها تراجعت مع الاخوان المسلمين. وبعد سحق السلطات المصرية للاسلاميين، تحولت الى الناشطين الليبراليين واليساريين الذين برزوا خلال الثورة والذين بات العديد منهم يقبع اليوم في السجون.
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته الاربعاء ان الشرطة المصرية متورطة في عمليات ادت الى "زيادة غير مسبوقة" في حالات الاختفاء القسري لناشطين منذ بداية العام 2015.
ونقل التقرير عن مدير ادارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة فيليب لوثر ان "الاختفاء القسري اصبح اداة رئيسية لسياسة الدولة. من يجرؤ على الكلام في مصر، في خطر".
ووثقت منظمة العفو 17 حالة احتجاز شملت خمسة اطفال في اماكن غير معلنة احيانا لمدة اشهر بهدف "اخافة المعارضين وسحق المعارضة".
الا ان نجاد البرعي يشير الى ان المصريين لم يعودوا يعيرون اهمية كبرى للقمع الحاصل، إذ ان غالبيتهم العظمى تتوق الى الاستقرار بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية.
ويقول عضو البرلمان زكريا محي الدين انه يسعى الى الغاء مادة في قانون العقوبات تعرف ازدراء الاديان بشكل غامض جدا، موضحا ان هذه المادة "تستخدم كسلاح ذو حدين. هي ضد حرية الراي والابداع وتسجن المفكرين".
لكن البعض يرى ان الحل ليس في تغيير القانون.
ويقول البرعي "اذا احضرت افضل قانون في العالم دون ان ان يكون المجتمع والقضاء يتمتعان بالانفتاح والعدل، فلا قيمة له".
أرسل تعليقك