دبي ـ جمال أبو سمرا
"التحديات موجودة داخلي، وهي كانت دوما موجودة في غرفة الصف مع الطلبة، ولا تصنعها الجوائز والمال"، بتلك الكلمات لخّصت المعلمة الأميركية الفائزة بجائزة أفضل معلم في العالم، نانسي أتويل، نواة مهنة التعليم، التي بدأ وهجها يخبو سنة تلو الأخرى، فراح الكثير من خريجي المرحلة الثانوية ينفضون عنها متجهين بدلاً منها إلى مهن براتب أعلى، وصيت أهم، وجهد ربما أقل.
أعادت أتويل إلى الأذهان، صورة المعلم الذي تشكّل التضحية جزءا من كيانه المهني وليس صفة طارئة عليه، فلا تتحدث عنها كعبء أو كجميل مطلوب من الجميع أن يشهد عليه. التضحية عند أتويل ليست استثنائية، وهي لا تختلف عن الهواء الذي تتنفسه يوميا، التضحية عندها أمر طبيعي يشبه مشاهدة الفراشات تطوف فوق حقل من الزهر الربيعي الأصفر.
تسلمت أتويل جائزة المليون دولار، كأول وأكبر جائزة تمنح لمعلم على مستوى العالم من مؤسسة "فاركي" للتعليم في دبي،؛ وقد كرمها نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال حفل أقيم في دبي على هامش فعاليات "منتدى مهارات التعليم العالمي" منتصف الشهر الجاري.
أتويل لم ترد يوما أن تصبح معلمة! لكن اليوم، يستقطب مركز التعليم والتعلّم الذي أسسته عام 1990 تلامذة من الأسر الفقيرة من الصف الثامن لتعلّم القراءة والكتابة بأسلوب إبداعي، وقد تمكّن 97 في المئة من تلامذة أتويل من الالتحاق بالثانوية العامة والجامعة، وصار عدد منهم كتابا ومؤلفين وناشرين.
ولفتت أتويل، إنه لم يسبق لأحد من عائلتها أن دخل إلى الكلية، وبالتالي، فإنها لم تكن راغبة في دخول الجامعة أيضا، لكن بعد أن أنهت دراستها، وجربت للمرة الأولى دخول أحد الصفوف والتواصل مع الطلبة فيه، علمت فورا أنها لا تنتمي إلا لهذا المكان، وأن موقعها هو بين هؤلاء المتعلمين الصغار، مؤكدة أن التعليم هو مهنة انتماء، وهي سعيدة بأن ابنتها تشعر بالانتماء نفسه، وتسير على خطى والدتها.
لا تختلف هواجس أتويل عن هواجس مئات آلاف المعلمين في الإمارات وخارجها مع هبوب رياح التغيير في أساليب التدريس واعتماد آليات جديدة لم يعهدوها في السابق، وتعترف أتويل في لقاء معها عقب تسلمها الجائزة، أن التغيير الأكبر والأكثر صعوبة الذي واجهته في مسيرتها المهنية بدأ مع التخلي عن أسلوبها القديم في التعليم، عندما كانت هي التي تختار الكتب التي يجب على الطلبة قراءتها وتحديد مواضيع الكتابة، وترك الأمر بدلا من ذلك إلى الطالب نفسه، وعلى الرغم من أن ذلك، يعتبر مرحلة انتقالية صعبة، إلا أن ذلك ساعد في تحويل طلبتها إلى قراء وكتاب ممتازين.
وأكدت أنه لم يكن من السهل عليها كمعلمة اللغة الإنجليزية التخلي عن قدرتها في التحكّم في الصف وإدارته بالطريقة التقليدية التي عهدتها.
أما العملية التي تعتمدها في التعليم، فترتكز على تحويل عملية القراءة والكتابة إلى أمر حقيقي للطالب في الصف، وليس مجرد تكليف أو فرض مدرسي يجب إنجازه، على اعتبار الكتاب والكتابة وسيلة للتواصل، وسيلة للمتعة. أما أبرز النصائح التي توجهها للمعلمين في العالم، فهو السعي إلى التدريب المهني المتخصص، وتصميم برامج تطورهم الشخصي، بما يناسب كفاءة وقدرة كل معلم منهم، وتأسيس مجموعات دراسية مصغّرة في كل مدرسة لتكريس العمل الجماعي، وقراءة أبحاث وكتب عن التعليم ومناقشتها مع أقرانهم ومشاركة أفكارهم مع الآخرين.
ودعت المعلمين إلى بذل كل الجهد في تعليم أنفسهم، لأنهم مفتاح التغيير، لافتة إلى أنهم مهما اعتقدوا أنهم معزولون، فمن السهل التفتيش عن الكتب والأبحاث والتقارير التي تتعلق بالتعليم وآلياته، وتجربة بعض الأمور منها مع الطلبة ومناقشتها، والتعلّم من تجارب معلمين آخرين، وأوضحت إن ما تقوم به هو نتيجة تأثرها بعالم المعلمين خارج المدرسة والمنطقة والمحيط الذي أعيش فيه.
أرسل تعليقك