تعد السوق الأوروبية واحدة من أكثر الأسواق التي تشهد نشاطات استثمارية من قبل الشركات العربية والخليجية في قطاعات العقارات والرياضة والسياحة والزراعة أيضًا، انطلاقًا من التسهيلات العالية التي تمنحها السلطات في الدول لرجال الأعمال، والإقبال الكبير من العملاء على زيارة القارة العجوز على مدار العام، وشرائهم واستئجارهم للوحدات السكنية فيها.
وأكد الرئيس التنفيذي في مجموعة الشبكة العربية العقارية، عمرو علي، أن الدول الأوروبية استفادت في الأعوام الخمسة الأخيرة من الإقبال الكبير على زيارتها من قبل المواطنين العرب خصوصًا الخليجيين منهم، ما ساهم في تنفيذ العديد من المشاريع بين الشركات العقارية الخليجية وتلك المحلية.
ولفت علي إلى أن أغلب المشاريع تتوزع على السوق البريطانية في قطاع التأجير وبيع الوحدات السكنية، وتركيا بشقها الأوروبي والبوسنة وإسبانيا التي باتت تمنح المستثمرين حق الإقامة فيها بشكل دائم في حال استثمارهم في القطاع العقاري في المدن الإسبانية مقابل نحو 10 ملايين دولار تقريبًا، في حين تمنح العميل الإقامة في حال شراء شقة مقابل 100 ألف دولار.
وذكر أن الاستثمار العقاري في القارة العجوز يساهم في تحقيق إيرادات ضخمة بالنسبة لجميع الشركات، منوهاً بأن عدد الشركات التي تقدّم مشاريعها في البلدان يصل إلى نحو 130 شركة موزعة على الكويت والسعودية وقطر والإمارات والبحرين، ومبيناً أن السبب في ذلك يعود إلى السيولة العالية التي يملكها رجال الأعمال وبحثهم عن الفرص لتوظيف أموالهم في مشاريع مربحة وبعيدة عن المخاطر، حيث تتراوح عوائد المشاريع السكنية في الدول الأوروبية بين 10 و22% سنوياً، وهي من أعلى النسب على المستوى العالمي تقريبًا.
وأشار الخبير العقاري حسين حاجي إلى أن الشركات العقارية تبحث بشكل دائم عن الفرص المجزية حول العالم، وهو ما توفره السوق الأوروبية، وبيّن أن عدد عمليات التأجير التي تقوم بها الشركات العقارية الخليجية في بريطانيا وإسبانيا وفرنسا والتي تعد الوجهات الأكثر إقبالاً من العملاء في المنطقة يصل إلى نحو 100 ألف عملية، تراوح قيمة إيجار الوحدة السكنية فيها لمدة 3 أشهر بين 10 آلاف و25 ألف دولار شهرياً، ومنوهاً إلى أن عوائد الشركات العقارية السنوية منها تصل إلى نحو 15%.
وتستفيد الشركات العقارية الخليجية أيضاً من العدد الكبير من الطلبة الذين يتابعون دراستهم في بريطانيا، فتعمد إلى توقيع الاتفاقيات مع الشركات البريطانية لتسويق وإنشاء المشاريع في المدن البريطانية لقاء دفع من 35 إلى 5 % من قيمة المشروع، والحصول على 40% من الأرباح بشكل سنوي، وفي هذا الإطار، أوضح عضو مجلس إدارة شركة المزايا في قطر للتطوير العقاري إبراهيم الصقعبي أن بريطانيا تعد من أعلى الأسواق ربحية بالنسبة للشركات العقارية التي تعمل فيها، في ظل العدد الكبير من العرب الذين يدرسون في الجامعات البريطانية، ما يساهم في تحقيق مبيعات عالية على مدار العام.
وبيّن الصقعبي أن الاستثمار في السكن الطلابي يشهد نشاطاً كبيراً في العاصمة لندن وفي مدن مانشستر وليدز وليفربول التي تشهد تركز أكبر عدد من الطلبة الكويتيين والقطريين والسعوديين، لافتاً إلى أن عدد الشركات العربية التي تعمل في السوق البريطانية يصل إلى 80 شركة تقريباً، وتحقق عوائد تتراوح بين 7 و10% سنوياً، ومقدراً أن مبيعات العقارات البريطانية تؤمن 5 إلى 7% من المبيعات السنوية للشركات العقارية.
ونوه بأن المعارض العقارية التي تستضيفها المنطقة تؤدي إلى تحقيق مبيعات في بريطانيا تصل إلى مليار دولار سنوياً، موضحًا أن الشركات العقارية تحقق أيضاً مبيعات عالية في العقارات البريطانية في ظل حرص العائلات على شراء وحدات سكنية هناك.
وأكد الرئيس التنفيذي في شركة "إتش إم جي" العقارية رائد برجاس، أن إسبانيا تمنح تسهيلات كبيرة للمستثمرين العرب في القطاع العقاري في البلاد، ومن بينها منحهم حق الإقامة الدائمة في الدولة، مبيناً أن الشركات العقارية الخليجية تعمد إلى بيع نحو 20 ألف شقة في العاصمة مدريد وفي برشلونة وغيرها من المناطق، وكاشفاً أن أرباح الشركات العقارية العاملة في السوق الإسبانية تتراوح بين 3 و10 ملايين دولار سنوياً.
وفي القطاع الرياضي، ارتفعت الاستثمارات الخليجية في رعاية قمصان أندية أوروبية الموسم الماضي لتبلغ ما يعادل ربع إنفاق الشركات العالمية في هذا المجال، وتعكس هذه الاستثمارات الاستفادة الكبيرة لأندية أوروبية من الأموال العربية، واعتاد جمهور كرة القدم العربية والعالمية في الأعوام الأخيرة على مشاهدة إعلانات لشركات عربية على قمصان كبرى الأندية العالمية.
فشعار "طيران الإمارات" مثلا يحظى بالانتشار على قمصان فرق من النخبة الأوروبية، منها "آرسنال" الإنجليزي و"ريال مدريد" الإسباني و"ميلان" الإيطالي و"باريس سان جيرمان" الفرنسي و"هامبورغ" الألماني و"أولمبياكوس" اليوناني، وتنفرد شركة "طيران الاتحاد" التابعة لشركة أبوظبي القابضة، برعاية قميص نادي "مانشستر سيتي" بطل الدوري الإنجليزي، وتحظى شركة "قطر للطيران" برعاية قميص "برشلونة" مقابل 30 مليون يورو للموسم الواحد.
ويؤكد هذا الحضور الكبير للشركات العربية في الدوريات الأوروبية قدرتها على كسب ثقة الأندية الكبيرة، كيف لا، والعوائد التي تجنيها هذه الأندية من عقود الرعاية تقدر بملايين الدولارات، ويشير تقرير جديد، أصدرته شركة "ريبوكوم" للاستشارات، إلى أن شركات إماراتية وقطرية استثمرت نحو 160 مليون يورو هذا الموسم في أكبر ست مسابقات للدوري في أوروبا أي ما يعادل ربع إجمالي إنفاق شركات العالم العاملة بمجال رعاية القمصان في تلك الدوريات.
وبيّن التقرير أن الشركات الإماراتية تشكل أكبر راع للقمصان من دولة واحدة، تعقبها الشركات الألمانية بإيرادات قدرها 112 مليون يورو، ثم الشركات الأميركية بإيرادات تبلغ 82 مليون يورو.
ويرى رئيس الإستراتيجية الدولية في شركة "ريبوكوم"، غلين لوفيت، أن أحد الأسباب الرئيسية في الارتفاع الحاصل في وأوضح لوفيت أن الاستثمارات شرق الأوسطية في رعاية الأندية لا تبحث فقط عن العوائد المالية أو التجارية، بل أنها تهدف لصنع "برستيج" خاص بها يساعدها في بناء علامة تجارية قوية، وهو ما يحققها لها الارتباط بأندية كرة قدم أوروبية كبيرة.
وإلى جانب الاستثمار في رعاية قمصان الأندية الأوروبية ازداد اهتمام أثرياء الخليج أيضا بشراء أسهم في أندية أوروبية كبيرة، وتعد صفقة انتقال ملكية نادي "مانشستر سيتي" إلى الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، مقابل مبلغ 200 مليون جنيه إسترليني، الأكبر بين الصفقات العربية حتى الآن، وذلك نظرا لقيمة المقابل المادي الهائلة، وأيضا لنجاحه في استقطاب صفقات من العيار الثقيل، قدرت بـ100 مليون جنيه إسترليني فور توليه المهمة، وكان ذلك سببا في عودة "مانشستر سيتي" للواجهة والتتويج بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز بعد غياب 44 عاما.
وينطبق نفس الأمر على نادي "باريس سان جرمان" الذي عاد للتألق، بعد شرائه من شركة قطر للاستثمار وتعيين ناصر الخليفي مديرا عاما للنادي، كما بات رجل الأعمال الأردني حسين اسميك أول عربي يمتلك أسهما في نادٍ ألماني، بشراء 49 بالمائة من أسهم نادي "ميونيخ 1860" الذي ينافس في دوري الدرجة الثانية.
ولم يبتعد قطاع السياحة في أوروبا عن أموال الخليج حيث تمتلك شركة "كتارا للضيافة" التابعة لجهاز قطر للاستثمار، 13 فندقًا فاخرً في مدن أوروبية مختلفة، وأضاف التقرير بأن الفنادق تحت إدارة وتشغيل مجموعة "انتركونتننتال" البريطانية بالاشتراك مع مجموعة "كتارا للضيافة".
وتضم محفظة "كتارا للضيافة" عدة فنادق حول العالم تتضمن فندق "رافلز سنغافورة" وفندق "لو رويال مونسو" وفندق "رافلز باريس" و"شويزرهوف ورينساس"، وتمتلك كتارا للضيافة أيضاً عدة عقارات فندقية تحت التطوير مثل منتجع "بورغنستوك في لوسيرن"، وفندق "رويال سافوي" في مدينة لوزان السويسرية.
وتشمل استثمارات جهاز قطر للاستثمار على عدة شركات وحصص في شركات مثل مجموعة "هارودز" والتي استحوذت عليها قطر القابضة في 2010 بمبلغ 2.2 مليار دولار وحصة 26٪ من سلسلة متاجر التجزئة البريطانية "سينسبري" وحصة في مجموعة "لاغاردير" الإعلامية الفرنسية، كما أن لديها حصة في شركة "لويس فيتون" الفرنسية، وتهدف "كتارا للضيافة" إلى الوصول لإدارة 100 فندق حول العالم في الأعوام الخمسة المقبلة حسب خطط المجموعة.
وأمام المشكلات المتزايدة التي تواجهها المشاريع الزراعية الخليجية في الدول النامية، بدأت دول الخليج تغير مساراتها الرامية لتحقيق الأمن الغذائي، متجهة نحو الدول المتقدمة التي يفوق إنتاجها الغذائي استهلاكها بكثير، واختارت شركة "الظاهرة الزراعية" الإماراتية، على سبيل المثال، هذا التوجه في آذار/مارس الماضي بشرائها ثماني شركات زراعية في صربيا التي تعتبر احد كبار ومصدري الأغذية، والتي قد يكون الرأي العام فيها اقل حساسية تجاه المشاريع الزراعية التي يمتلكها أجانب.
وبلغت قيمة الصفقة 400 مليون دولار، وغالبًا ما تكون المشاريع في أوروبا وأميركا الشمالية وبعض المناطق الأخرى أعلى تكلفة وتقل فيها فرص إقامة مشاريع على أراض واسعة كما هي الحال في أفريقيا، غير أنها تتميز بقلة مشكلاتها السياسية ومخاطرها بالنسبة إلى الإمارات والسعودية والكويت وقطر التي تسعى جميعها إلى توفير الاحتياجات الغذائية لسكانها، وفي مقابل الصفقة الإماراتية أعلن صندوق ابو ظبي للتنمية – وهو مؤسسة رسمية معنية بالمساعدات – عن قرض بقيمة 400 مليون دولار لقطاع الزراعة الصربي، وتستمر "الظاهرة" أيضاً في أماكن أخرى، بينما ضخت "جينان" استثمارات في الولايات المتحدة واسبانيا.
وأسست شركة "حصاد" الغذائية – الذراع الزراعية لصندوق الثروة السيادي القطري – فرعًا في استراليا عام 2009، يركز على القمح والشعير والماشية، وفي حزيران/يونيو الماضي استحوذت شركة "المزارعون المتحدون" القابضة ذات الملكية السعودية على مجموعة "كونتيننتال قارمرز" التي تملك مشاريع زراعية في بولندا وأوكرانيا، وتنتج محاصيل مثل القمح والذرة.
وأظهرت بيانات نشرت خلال الشهر، أن الولايات المتحدة تصدرت دول العالم لفترة طويلة في اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يتمثل بشكل رئيسي في الاندماجات والاستحواذات عبر الحدود ومشاريع جديدة للشركات في الخار، لكن صافي التدفقات الاستثمارية إليها في العام الماضي هبط بنحو الثلثين إلى 86 مليار دولار.
ويرجع ذلك بشكل كبير إلى صفقة بين "فيرازيون" الأميركية للاتصالات وشريكتها البريطانية "فودافون" والتي تضمنت إعادة شراء أسهم وهو ما أدى إلى نزوح استثمار أجنبي بقيمة 130 مليار دولار من الولايات المتحدة، لتتجه الحصة الأكبر من الاستثمارات الخليجية نحو القارة العجوز، إضافة إلى دخول الصين بقوة لاستقطاب الاستثمارات الخارجية
أرسل تعليقك