بروكسل ـ سمير اليحياوي
تُعرَض لوحة "السكيت" للفنّان البلجيكي جيمس إنسور في معرض الأكاديمية الملكية المذهل في حين قد يرى البعض أنها مجرّد "صورة" فهي عبارة عن لوحة تُظهر إحدى الأسماك الضخمة متمدّدة على الطاولة بشكل مترهّل، وينتشر جسم أبيض حول الرأس مثل الملابس التنكرية، على نحو ثابت بينما تحدّق العيون مباشرة في المُشاهد. ولدى السمكة تعابير تراجيدية كوميدية، مع القليل من الانكسار، كما لو أنها ثملة. أو ربما قد تناوَلت وجبة جيدة قبل أن تكون هي الوجبة ذاتها.
وتكتسب صورة "السكيت" شهرة كبيرة جدا في بلجيكا بلد إنسور الأم، وإلى حد كبير العكس في بريطانيا ونفس الشيء ينطبق على الفنان نفسه. فقد وُلد جيمس إنسور (1860-1949) في أوستند، وكان ابناً لمهندس إنجليزي يحمل جواز سفر بريطاني وأمضى بعض الوقت في لندن. ولكن على الرغم من أننا نرى إنسور سيد الأقنعة –فحرفيا كان يبدو في هذه الصورة محاطًا بهم– وذلك على نحو غير محدد، ولذا تُعرض أعماله الآن في معرض الأكاديمية الملكية.
كما تُعرض له لوحة أخرى مخيفة لكوخ منفرد وبعيد على شاطئ رمادي للاستحمام، تشع منه برودة الشتاء. كما توجد له لوحة أخرى لوالدته على فراش الموت في صورة دقيقة وجميلة، والأنف مرسوم ببراعة في مواجهة الغرق. وأيضا لوحة المسيح معلّق على الصليب ومحاطاُ بحشد من أهل المدينة، الذين لم يكن جميعهم ملتزماً بالأصول. وأخرى لعاصفة هائلة من الطلاء يبني فوقها أسطح المنازل والأشياء البارزة مثل المد في هذه الميناء.
وتعتبر أوستند بالنسبة لإنسور مثل كوكهام للفنان ستانلي سبنسر، فهي مكان حقيقي، ولكن أيضا أرض مصغرة أسطورية للخرافات بالنسبة له. وقد قضى إنسور حياته كلها أعزب يعيش في مختلف المحلات التجارية في هذا المنتجع الموسمي، حيث كانت والدته تبيع الهدايا التذكارية، وأقنعة الكرنفال، والدمى المزخرفة الصينية. ونشأ إنسور في متجرها، منبهرا "بالألوان الزاهية، والتأملات والأشعة التي تتألق، وشكّل ذلك خليطا لا يتجزأ من الأشياء المتنوعة التي أثرت في موهبته على يد القطط، والببغاوات الصماء. وعندما كان مراهقا كان يدرس على رسم الكاريكاتير ورسم المناظر الطبيعية، وكان في كثير من الأحيان يُظهر هذا في أعماله، فنلاحظ المناظر البحرية والدرامية في مجموعته "الخطايا السبع القاتلة".
وفي لوحة "المؤامرة"، إحدى أكبر روائع إنسور، يجسّد حشد يرتدون أقنعة تتقاسم بعض الشائعات مع أم تحمل طفل دمية. وتظهر جميع الشخصيات بمظهر حيوي. والشخصية المحورية كانت لرجل يرتدى ثوب قبعة أوبرا مسائية – ولكن لا يبدو كرجل!! ربما تكون شخصية وهمية قام باختلاقها الفنان من قبيل دراما الشخصيات القوية والإبداعات الفنية. والكثير من الفنانين (وخصوصا جميع البلجيكيين) يمعنون النظر في سرّ هذه الأقنعة. لكن إنسور نفسه كان صريحاـ فكانت هذه الأقنعة تعني له الإسراف والتعبير والزخرفة، ولكن قبل كل شيء تمثل "روعة الاضطراب ".
أرسل تعليقك