يعتبر النقاب الأسود الذي يغطي شعر المرأة ووجها شائعًا في إيران، ولكن في قرى خليج فارس يبدو الأمر مختلف، فالفتيات من عمر التاسعة تبدأن في ارتداء أقنعة ملونة تعتمد على سنوات كبيرة من التقليد لتمييز مظهرهن.
وزار المصور اريك أفورج القرى جنوب إيران والتقط مجموعة متميزة من الصور المذهلة لأقنعة باللون الذهبي والأحمر والمطرزة، والتي ترتديها النساء منذ قرون وخصوصًا الشعب البنداري، وهم العرب الإيراينيون الذين يعيشون في المنطقة الساحلية من البلاد.
وحافظت الأقنعة على تصميمها وفقًا لتقاليد الأجداد الأوائل وارتداها الأطفال أول الأمر في المناسبات الاجتماعية قبل سن البلوغ، وفي حين تحافظ الكثير من النساء في تلك المناطق وأزواجهن على الالتزام بالتقاليد، ترى نسوة أخريات أن ارتدائها أرخص، وبالتالي تصبح الأقنعة أكثر شعبية.
وتمتلك النساء في تلك القرى قرار عدم ارتداء النقاب ويفضلن ارتداء البرقع فقط، وتعلم ايرك أثناء بحثه عن النساء اللواتي يرتدين القناع ويصنعنه أن عليه أن يكسب ثقة المجتمع في البداية كي يستطيع إنجاز مهمته.
وقال: "بالصبر والدبلوماسية ومشاركتهم شرب لترات من الشاي استطعت اختراق أسرار هذه التقاليد في زيارتي للقرى على طول الخليج الفارسي وجزيرة قشم"، وترتدي النساء المسلمات الجنوبيات السنيات والشيعيات النقاب، ولكن يتميز نقاب المرأة الشيعية بلونه الأحمر، في حين عادة ما ترتدي السنية الأسود والذهبي والنيلي وتبتعد عن الأقمشة ذات الأشكال الهندسية.
وقابل ايريك واحدة من الخياطات الثلاثة السنيات التي تصنع الأقنعة، وتدعى أمنية، في قرية ساحلية تددعى سلاخ في جزيرة قشم، ففي الوقت الذي كان فيه زوجها يبحر من ميناء إلى ميناء ويزور مسقط ومقديشو وبربرة وزنجار ولامو كانت هي تتعلم الخياطة وتصنع البرقع.
ويشبه قناع جزيرة القشم شكل الشارب، وشرحت أمينة لايرك أن التصميم أخذ هذا الشكل منذ عدة قرون لخداع الغزاة كي لا يفرقوا بين الجنود الذكور والنساء، وأوضحت أن الجزء العمودي من القناع الذي يمتد على طول الأنف مصنوع من العصي التي يتسخدمها أطباء الأسنان لدفع اللسان إلى أسفل لفحص الحلق، ويمكن استخدام عصا الأيس كريم كبديل جيد، ويصنع الباقي من فروع صغيرة من أشجار النخيل.
ووصف ايريك صناعة القناع وكأنها لعبة قابلة للطي من القطن والخشب والصحائف المستوردة من مومباي في تقليد استمر لعدة قرون، وتباع الأقنعة بحوالي 5 يورو، ولكنها تباع بسعر أكبر عندما تصدر إلى دولة الإمارات، حيث الطلب هناك أكبر عليها.
وتغطي أيدي أمينة صبغة باللون النيلي ولكنها لا تغسلها فهي تعتقد أن الصبغة الزرقاء تلين الأصابع وتحمي الجلد، وتقول أنها لا ترفع قناعها في حضور الغرباء في منزلها أو أثناء خروجها، وتشير إلى أن "أول الأمر أجبرني والدي على ارتدائها ولكنه اليوم خياري التام فأنا لا أخرج أبدًا من المنزل بدون قناعي، فسيكون من العار أن أخرج إلى الشارع ووجهي مكشوف".
وأكد ايريك أن القناع لا يمنع النساء بأي حال من الأحوال من المشاركة في الحياة الاجتماعية والتحدث إلى الرجال كما هو شائع في بعض البلدان العربية مثل السعودية، وقدم زوجها رأيه قائلا: "أحب أن ترتدي زوجتي القناع، فهو أجمل، وهذه تعاليم ديننا"، وترتدي ابنتهما مريم البالغة من العمر 10 سنوات قناع صغير في المناسبات مثل حفلات الزفاف، ولكنها حريصة على ارتداء واحد عندما تكبر.
وتوضح: "أريد أن ارتدي القناع عندما أكبر، فبه أستطيع الذهاب الى أي مكان بدون أن أشعر بالخجل واشعر بارتدائه بالثقة"، وترتدي النساء الأقنعة الذهبية في حفلات الزفاف، لإضافة لمسة من التألق والدلال على الحالة المادية الجيدة لمن ترتدي الأقنعة المزخرفة في الحياة اليومية، ويأخذ كل قناع يومين من الحياكة ليصبح جاهزًا.
وتعرف ايريك على امرأة من قشم تدعى زينات أخذت على عاتقها عدم ارتداء القناع في الأماكن العامة، وكانت أول امرأة تجرؤ على الخروج في الأماكن العامة بدون قناع قبل عقدين من الزمن عندما ذهبت لدارسة الطب في مدينة بندر عباس.
وأخبرته: "كان ممنوعًا أن نرتدي القناع في الكلية، بدون القناع شعرت وكأنني عارية"، ولم تكن تملك خيار إلا أن تخلع القناع، وعندما عادت إلى الجزيرة كانت تصوراتها عن الحياة تغيرت وقررت عدم ارتداء البرقع مرة ثانية، ولم يستطع أحد التعرف إليها عندما عينت كطبيبة لمجموعة من القرى في أول الأمر وتسبب قرارها بموجة من الاحتجاجات، وعلى مدى السنوات العشر التي عملت بها كانت منبوذة من الجميع وسمح الرجال لها بلقاء زوجاتهم عندما كن مريضات فقط.
وعملت زينات في تطعيم الاطفال في 62 قرية وتقديم الرعاية للاطفال ولمدمني الأفيون، وان لم تكن تقدم لهم المساعدة الطبية فكان الجميع يتجنبها، فليس لها أصدقاء ولا أحد يدعوها الى حفلات الزفاف، ويعتبرونها وصمة عار حقيقي في الثقافة المحلية، وكان والدها هو الداعم الوحيد لها، وهي اليوم وحيدة بعد وفاته، وتشير " في ليالي الاعراس تتجه كل القرية الى العرس والدخول مجان فلا حاجة لأن تكون مدعو كي تدخل، الا أنا كنت دائما شخصا غير مرغوب فيه." ومع مرور الوقت استطاع الناس أن يقبلوا اختلافها وأصبحت أول امرأة تفوز في الانتخابات المحلية للقرية.
وأصبح نصف النساء في قريتها يرتدين القناع، فأصبح بالنسبة للكثيرين تعبير ثقافي أكثر منه ديني، وتقليد تتمسك به النساء الكبيرات في السن أكثر، ولكنها ترى أن تغيرا كبيرا مازال ضروريا في هذا الأمر، ففي مجتمع تتجذر فيه التقاليد الماضية ما زال الاطفال الذين يولدون بدون زواج في قشم يقتلون وتحارب زينات لوقف هذه الظاهرة.
وعبرت جدة لايرك عن سبب ارتدائها للماسك: "ارتديه كي يغطي التجاعيد في وجهي"، وتحرص النسوة اللواتي لا يرتدين القناع على البقاء مع بعضهن في الأماكن التي لا يعرفن فيها أحد، وخصوصًا في قرية تعرف بأنها محافظة مثل باي بوشت في مركز مقاطعة قشم.
وتعرف تلك المنطقة بنشاط المهربين الأغنياء الذين يجلبون البضائع مثل السجائر والكحول والوقود والمخدرات من عمان التي تبعد 50 كلو متر عبر مضيق هرمز بالقارب السريع، وكان يصعب على ايرك تخمين أعمار الناس في المنطقة، وأخبره مضيفه أنه تزوج من زوجته عندما كان يبلغ من العمر الـ13 وكانت هي بعمر الـ12، ولم تعد النساء هناك ترتدي القناع، بل ترتدي النقاب الأسود الذي يسمى البرقع لأنه أرخص ثمنًا، ويعتقد الناس أن هذه الظاهرة ستختفي أيضًا في غضون خمس سنوات.
وترتدي الفتيات القناع عندما يتفق والديها على تزوجها مع عائلة العريس، وترتديه أيضًا في غرفة العرس وهي غرفة مزينة ببذخ مع مرايا وباقات الزهور والحلي والوسائد الملونة وآيات من القرآن حيث يقضي العروسان أسبوع منعزل في غرفة بلا نوافذ كي يتمكنا من التعرف على بعضهما أكثر.
وتجتمع النساء المنقبات واللواتي يرتدين البرقع في البازارات في أيام الخميس لبيع وشراء الأقنعة والأحزمة متعددة الألوان والسراويل وحمالات الصدر وأشياء أخرى من منتجاتهن، واضطر اريك إلى أخذ إذن كل امرأة قبل أن يلتقط لها الصور، وأوضح أن النساء اللواتي رفضن التقاط الصور لهن خفن من أن يجدهن الآخرين مثار للسخرية فهن يعتقدن أن الأجانب لا يفهمون ثقافتهم.
واعتادت النساء على تطريز أقنعة الوجه بأيديهن، ومع الوقت أخذ الموضوع طابع الحياكة الألية، ولكن الامر ما زال يأخذ يومين لصناعته، فيتوجب أخذ المقاسات الصحيحة لطول وعرض الوجه ومكان الأعين لضمان أن تكون مفتوحة حتى تستطيع النساء أن ترى وفي ذات الوقت يجب أن يكون الجبن والأنف مغطى، وفي أغلب الأحيان يكون الفم مخفيا أيضا.
وتساعد الاقنعة على الحفاظ على بشرة المرأة من الشمس القاسية في الصيف، ويعتبر ارتداء القناع إلزاميًا بين الشعب البلوشي، وهي مجموعة عرقية محافظة يمكن العثور عليها في إيران وباكستان وأفغانستان.
أرسل تعليقك