لندن - كاتيا حداد
كشفت عمليات تحرير الموصل عن جرائم ووحشية "داعش"، وأعمال القمع التي تميز بها التنظيم خلال فترة سيطرته على المدينة، ويظهر ذلك من القصص التي يرويها هؤلاء الذين يتدفقون من حافة الموصل المحررة مؤخرًا. وخلعت النساء النقاب، وحلق الرجال اللحي الطويلة، متحدثين عن تعرض سكان الموصل للتعذيب والقيود المفروضة عليهم في الحياة اليومية خلال عامين من سيطرة المتطرفين على المدينة.
وأكد طالب، أحد سكان ضاحية كوكجلي المحررة مؤخرًا، 30 عاما، أن السكان تعرضوا للتهديد في المساجد من خلال المنشورات. وأوضح أن أحد المخبرين بلغ عن أحد أصدقائه بسبب إشارته إلى المتطرفين باسم "داعش"، وهو مصطلح ازدرائي عربي لهم. وتم سحب هذا الصديق في ساحة عامة في ضاحية كوكجلي، وأجبروه على الانبطاح على الأرض، وكانت شفتيه مخيطة معًا. وأضاف "كان واعيًا تمامًا، فلم يكن مخدرًا، وكان الأمر مرعبًا. ونحن لا نملك القيام بأي شيء. ووقف الكثير من الناس فقط للمشاهدة". وأصبح الرجل غير قادر على تناول الطعام أو الشراب لمدة ثلاثة أيام، حتى تجرأت عائلته لإزالة الخيط.
ويعدّ طالب من بين آلاف الأشخاص الفارين من كوكجلي، وهي منطقة صناعية على حافة ثاني أكبر مدينة في العراق، بعد تحريرها من "داعش" هذا الأسبوع. وتم قصّف العديد من المباني هناك وتحويلها إلى ركام بعد أسابيع من القصف والغارات الجوية التي يقوم بها التحالف، ونهب مقاتلو "داعش" العديد منها قبل أن يفقدوا السيطرة على المنطقة. وخرج الآلاف من السكان من منازلهم بعد انقشاع الغبار، وبدأوا في الانتقال نحو مخيم للاجئين في الخازر بقطع مسافة 20 ميلًا.
وأعلن حاير أحد الفارين، والذي كان يقود سيارة "أوبل" مدمرة مع 11 شخصًا محشورين في الداخل، قائلًا "هذه هي محاولتي الرابعة لمغادرة كوكجلي، وتوقفت عن المحاولة قبل ستة أشهر عندما هددوا كل من يحاول الهرب بقطع رأسه، لذا كانت محاولة الفرار محفوفة بالكثير من المخاطر".
وأوضح عبد الله، 25 عامًا، يعمل مزارع وتعرض للضرب، لأنه كان يرتدي بنطلون جينز، أن "نوع البنطلون كان من الجينز العادي الذي ارتديته ألف مرة. ولكنهم قالوا لي إنه ضيق جدا وحكموا عليّ 50 جلدة. وكان الأمر قاسيًا فعلًا. وبعد ذلك لم أكن أجرؤ على المغامرة بالخروج من منزلي". ووصفت عمته "ونسا"، 70 عامًا، كيف أجبروا النساء على البقاء بشكل دائم تقريبا داخل منازلهم، قائلة "بقيت في المنزل طوال اليوم. كان كل ما يمكن القيام به هو الخياطة. وانتهى بي الأمر في خياطة نفس القطعة مرات عديدة من نفس المادة، في محاولة لفعل أي شيء لتمرير الوقت والبقاء بعيدًا عن الشوارع".
وأضافت "يويا" 20 عاما، "كان ممنوعًا عليّ الخروج دون النقاب، لذلك بقيت في بيتي 24 ساعة في اليوم. ولم أكن أعمل، أو أذهب إلى المحلات التجارية. وبالنسبة لي كانت الحياة نفسها تتكرر كل يوم، وكانت أكثر مملة".
وواصل طالب حديثه قائلًا "كان هناك عدد قليل من الوظائف، وبخلاف تلك التي تقدمها داعش من حفر الأنفاق أو صنع الذخائر. وتابع "إنهم كانوا يدفعون للناس لمساعدتهم على حفر الأنفاق نحو 75،000 دينار عراقي "50 يورو"، لكل متر مكعب من الأرض، كما يمكن أن يكون العمل في مصنع قنابل أيضًا، وكان المجندين الأجانب لداعش يوصفون على نطاق واسع بأنهم المقاتلين الأكثر فعالية والمتعصبين والمتشددين، كما كانوا أكثر خبرة، نتيجة للخبرة المكتسبة من الصراعات في أفغانستان أو حتى البوسنة، لكنهم تركوا المدينة عندما اغلقها التحالف".
وتابع بالقول "كنا خائفين من معظم المقاتلين الأجانب، القادمين من الشيشان، وفرنسا ولكن لم نر منهم أحد في الأشهر الأخيرة، لقد ذهبوا جميعا إلى سورية". ويكتظ مخيم الخازر باللاجئين عندما يخيم الظلام، كما أن الكثير من الناس يتم توقيفهم في نقط التفتيش التابعة للجيش العراقي على حافة الموصل ليواجهوا الليل على الرصيف، إضافة إلى أن من المرجح أن يكون الجهاديين شيدوا "مدينة تحت الأرض" من الأنفاق، وتعتبر ضاحية كوكجلى هي الضاحية الأولى التي يتم استعادتها من الموصل.
وحررت الشعبة الذهبية، جزء من القوات الخاصة العراقية، ست مناطق أخرى، مما جعل القوات العراقية قاب قوسين أو أدنى من نهر دجلة الذي يمر في المدينة. ومن المتوقع أن ينسف مقاتلو "داعش"، الجسور التي تمر عبر النهر في أخر محاولة لهم على ضفة النهر الغربية. ومع ذلك، فليس من الواضح عدد الجهاديين الموجودين في الموصل، فتقول بعض التقديرات انهم حوالي 5000 مقاتل.
وبيّن العقيد شاكر إبراهيم من فرقة ميكانيكية في الجيش العراقي، أن "داعش" شيدت شبكة واسعة من الأنفاق خلال فترة سيطرتها على المدينة التي دامت لسنتين ونصف. وأوضح اللواء فاضل برواري قائد قوة العمليات الخاصة العراقية أن أفضل مقاتلي داعش تم قتلهم. وأضاف "كان أفضل مقاتليهم هم من الأجانب، مثل فرنسا والشيشان، ولكن الآن تقريبًا جميع هؤلاء لقوا حتفهم أو هربوا إلى سورية".
أرسل تعليقك