موسكو - حسن عمارة
تعمل روسيا على دمج عناصر من مشروع الدرع الذهبي الصيني، للمشروع الذي يحمل عنوان "الويب الأحمر"، والذي يهدف إلى إحكام السيطرة على الإنترنت، في ضوء التعاون السيبراني غير المسبوق بين البلدين. ويعدّ القرار الذي أصدرته الحكومة الروسية في وقت مبكر من هذا الشهر بحظر موقع "لينكدين"، الأكثر وضوحًا بين سلسلة من التدابير، التي تهدف في الأساس إلى وضع الإنترنت تحت سيطرة أكبر من الدولة.
ويهدف التشريع، الذي تم إعلانه في هذا الشهر، إلى إعطاء أولوية للكرملين، من أجل السيطرة على الفضاء الإلكتروني، وذلك من خلال العناصر الرئيسية، التي تشكل بنية الإنترنت، كأسماء النطاقات وكابلات الألياف الضوئية العابرة للحدود. وأن كلا البلدين لهما هدف مشترك، يبدو أساسًا لشراكتهما، وهو تحدي الهيمنة الأميركية، إلا أن التحدي الأكبر أمامهما هو خلافات الماضي، والتنافس المصلحي فيما بينهما في الحاضر، وهو الأمر الذي يجعل الأمور أكثر تعقيدًا.
ويقود مجموعة من موظفي الكرملين، الهجوم ضد حريات الإنترنت، وتخشى الحكومة الروسية من جراء استخدام الشبكة العنكبوتية، لحشد التظاهرات ضدها، أو نشر أفكارًا أو معلومات خطيرة، موضحة أن الحكومة الروسية تسعى إلى اتخاذ إجراءات من شأنها إيقاف الاتصالات في أوقات الأزمات.
ويجري تطوير الاستراتيجية الروسية، بالتعاون الوثيق مع الصين، وعقد كبار المسؤولين الروس اجتماعات عدّة خلال هذا العام، مع نظرائهم الصينيين في كل من بكين وموسكو، لمناقشة كيفية التعاون بين البلدين في هذا المجال. واجتمع كبار مسؤولي البلدين، خلال المنتدى الأول للأمن السيبراني، والذي عقد في شهر نيسان/إبريل الماضي في العاصمة الروسية موسكو، لإجراء المحادثات في هذا الشأن، وكان من بين الحاضرين رئيس مكتب معلومات الإنترنت الصيني لو وي، وفانج بينيكسينغ، والذي يطلق عليه أبو مشروع الدرع الذهبي، بينما كان حاضرًا عن الجانب الروسي إيجور شكيوجوليف، والذي يعمل مساعدًا للرئيس الروسي في شؤون الإنترنت.
وأكد دينيس دافيدوف، المدير التنفيذي لرابطة الإنترنت الأمن، أن الاتفاق بشأن تنظيم المنتدى يرجع إلى شهر كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، وذلك خلال لقاء جمع بين مسؤولي الصين وروسيا في العاصمة الصينية بكين. ورابطة الإنترنت الأمن هي مجموعة تابعة للحكومة الروسية وتعمل لحسابها، وأنها تقوم بصياغة التشريعات التي تهدف إلى تمكين الدولة من السيطرة الكاملة على الإنترنت، إضافة إلى تجنيد متطوعين لشنّ دوريات منتظمة على الشبكة، وذلك للكشف عن أي محتوى ضار يضر بالمصالح الروسية المرتبطة بالنظام الحاكم هنا.
وفي وقت سابق من هذا العام، التقى الأمين العام لمجلس الأمن نيكولاي باتروشيف، الذي كان رئيسًا لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي خلال رئاسة بوتين الأولى، والتي امتدت بين عامي 2000 و2008، مع أعضاء المكتب السياسي الصيني لأمن المعلومات؛ وفي حزيران/يونيو، ذهب بوتين إلى بكين، لتوقيع بيان مشترك حول الفضاء الإلكتروني.
وتحتاج روسيا إلى التكنولوجيا الصينية، لا سيما وأن الحكومة الروسية ليس لديها الإمكانات التي تمكنها من التعامل مع كميات هائلة من البيانات، تسعى للسيطرة عليها، بينما لا تستطيع الاعتماد في ذلك على التكنولوجيا الغربية، بسبب العقوبات المفروضة على الحكومة الروسية، على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وأعرب المسؤولون الصينيون عن استعدادهم لتقديم يد العون، وذكرت تقارير أن الشركة الروسية المصنعة لمعدات الاتصالات "بولات" عقدت اجتماعات مع مسؤولي شركة "هاواوي الصينية"، لشراء التقنيات اللازمة لتخزين البيانات، وإعداد الخوادم لتنفيذ القوانين الجديدة التي تضمن سيطرة الحكومة على المواقع الإليكترونية.
وأوضح المحلل جوردون تشانغ، مؤلف كتاب "انهيار الصين القادم" أن شركة هاواوي تعدّ بمثابة الذراع التكنولوجي للدولة الصينية، مؤكدًا أن تلك الشركة تبقى مثيرة للجدل في ظل غموض أصولها ونموها السريع، وهو الأمر الذي يبدو غريبًا بالنسبة لشركة قطاع خاص في دولة مثل الصين، معلنًا أنها تبدو مدعومة من قبل الدولة في ضوء غياب المنافسة من الشركات الأخرى المملوكة للدولة. والروس ربما لا يملكون خيارًا أخر سوى دعوة شركات صينية عملاقة، للمشاركة في صياغة استراتيجيتها المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات.
وأعلن مسؤول روسي متخصص في مجال تكنولوجيا المعلومات، أن الصين تبقى الحليف الوحيد والمهم في مجال تكنولوجيا المعلومات بالنسبة للروس، موضحًا أنه بالرغم من الآمال الكبيرة المرتبطة بقدرة الشركات الروسية على سد الفراغ التكنولوجي في روسيا، إلا أن الرهان مازال كبيرًا للغاية على التكنولوجيا الصينية.
أرسل تعليقك