كانت الحرب دائما بين الشباب منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، هذا ما قالته مترجمة سورية تبلغ من العمر 32 عاما، وتابعت "كلنا تأثرنا بهذه الحرب التي كان الهدف الأساسي منها التخلص من الشباب".
ويعد غياب الشباب في المدن الرئيسية السورية أمر ملاحظ لأي زائر، ففي المقاهي والأسواق والشوارع هناك القليل من الشباب الذين يرتدون الزي العسكري، وتضيف "سلوا الحلاقين وسيقولون إنهم خسروا ثلاثة أرباع أعمالهم".
وسمحت فوضى الحرب في الوقت نفسه للنساء ببعض الحرية خصوصا بين المثليات في بلد يحظر العلاقات بين مثليي الجنس على الأقل من الناحية النظرية، في حين أن الغالبية العظمى من القتلى في الصراع السوري حتى الآن شباب، لكن العديد من الشباب أيضا يلقون المصير نفسه أثناء الهجرة. وتجنب بعض الشباب الخدمة العسكرية الإجبارية أو الانضمام الى المليشيات المتمردة، في ما يقبع في سجون الحكومة آلاف آخرون، والنتيجة وجود ثقب ديمغرافي دائم في الشعب السوري؛ وبالتالي فالنساء اللاتي يردن إنجاب الأطفال سيفعلنها دون أزواج.
وتعد المترجمة شكران واحدة من هؤلاء النساء وتبلغ من العمر 32 عاما ولا تزال عزباء نظرا إلى أن معظم أقرانها من الذكور إما ماتوا أو في المنفى أو السجن أو فروا إلى غير رجعة، وفي الوقت الذي يتراجع فيه عدد الرجال يوميا في سورية فإن صفوف النساء العزباوات والأرامل في نمو مستمر.
وأوضح استطلاع للرأي أن عدد النساء السوريات غير المتزوجات يبلغ 70%، وتشير شكران إلى أنه "من الصعب العثور على الكلمات التي تصف الوضع". وتكمن الصعوبة أيضا في العديد من العوائق الاجتماعية بسبب اختلاف الطائفة أو الدين أو العرق في سورية.
وانهارت آخر علاقة لشكران لأن صديقها كان مسيحيا وهي مسلمة درزية، وأوضحت "في أول سنتين عشنا وكأننا في الجنة". ثم جاء الصراع الذي غير حياة الشابين ليقضيا معظم وقتهما في مشاهدة أهوال الحرب على "يوتيوب" أو نشرات الأخبار، فتوقفا عن التحدث مع بعضهما بعض. وجعل الصراع صديقها ينظر إلى الإسلام بطريقة جديدة تماما ويستمر في القول لها "انظروا ماذا يفعل الإسلام والمسلمون؟ كيف يمكن أن تكوني مسلمة؟" فافترقا.
ويعد غياب المال والمهن المربحة والبطالة من الأسباب الكبرى التي أدت إلى اندلاع الثورة قبل 5 سنوات، لكن الأمور اتجهت إلى الأسوأ، وتحطمت الليرة السورية إلى عشر قيمتها ومتوسط الأجر نحو 50 دولار شهريا. ويجب على الشباب في الثقافة السورية التقليدية أن يقدم الذهب لخطيبته، في ما يبلغ سعر الغرام الواحد من الذهب نحو 17 ألف ليرة سورية، ويزن الخاتم بالمتوسط 18غراما؛ لذلك لا يكاد يستطيع الشاب شراء خاتم واحد، ثم هناك المهر الذي يعطى مباشرة إلى الأسرة، والذي يصل إلى 4 أو 6 أشهر من الراتب السنوي للشاب. وتبين امرأة شابة "الناس والعائلات في الغالب تحتاج هذا المال، إنها قد تلغي الزواج كله لأجل هذا المال؛ لذلك يصعب على الرجال تأمينه".
وعانى الكثير من الشباب السوري نتيجة تكلفة الزواج المرتفعة من خيبة الأمل في الحب، وانهارت كل فرصهم في الزواج بسبب خلاف على نوعية الذهب الذي اشتراه لخطيبته، ويشير سائق أجرة يعمل في دمشق إلى أن خطوبته انهارت بسبب نوعية الذهب رغم أنه اضطر لترك دراسته الجامعية كي يعمل، وكانت هناك أيضا مشكلة حول المال، وقلقه الأساسي يكمن في الخدمة العسكرية التي يجب عليه أن يؤديها بعد الانتهاء من دراسته. مضيفا: "يوجد شاب أعرفه من حمص كان يدرس بجد ويحب امرأة جميلة من الساحل السوري عبر (فيسبوك وفايبر) وأراد الزواج منها لكن والدها رفض الفكرة لأنه لا يملك عملا؛ وبالتالي انتهت العلاقة".
وتقدر المدرسة يارا البالغة من العمر 23 عاما أن هناك 4 نساء لكل رجل في دائرة أصدقائها، وتقول "الناس الذين ولدوا في عام 1980 أو أوائل التسعينات جيل مفقود، ربما انتهوا من الدراسة وأرادوا أن يفعلوا شيئا آخر في حياتهم وبعدها أتت الأزمة، وغالبهم اليوم يحلم بالسفر". وتفتقد يارا أصدقاءها الذكور، مؤكدة "العمل مع الجنس نفسه صعب؛ فالإناث في كل مكان حتى في العمل مما يجعل الحياة رتيبة".
ولوحظ أن 3 فقط من أصل 10 من زملائهم المدرسين من الرجال، متابعة "لا يوجد رجال بعد الآن، ومن الصعب على المرأة أن تجد زوجا، وإذا استطاعت أن تجد رجلا فهو يرتدي الزي العسكري، وإذا استطاعت أن تقابل رجلا فستفكر ما الذي سيحصل لاحقا؟ هل سيسافر أم هل سينضم إلى الخدمة العسكرية؟". مضيفة "فإذا انضم للجيش فإن الأمور ستصبح أصعب، ففي بعض الأحيان يمضي الجنود سنة أو اثنتين قبل أن يعودوا إلى منازلهم، وإذا كان محظوظا بأن يكون الابن الوحيد فلن يتجند في الجيش السوري، لكن لا توجد وظائف لهم".
وتقول صانعة الأفلام الوثائقية غفران البالغة من العمر 35 عاما، إن كل من حولها من الرجال من المراهقين، والكثير منهم صغار على الخوض في العلاقات الرومانسية، وتؤكد "إنهم مجرد تلاميذ في المدارس". ويشعر الكثير من الرجال باليأس بسبب انعدام المال أو انعدام إيجاد وسيلة للخروج من البلاد، ويشعر الكثير منهم باليأس للدخول في علاقة، وتعتقد غفران أنهم يمضون الكثير من الوقت في التحدث إلى النساء عبر الإنترنت.
وتقدم عدد من الشباب السوريين لخطبتها لكنها تعتقد أن أكثر من نصفهم يريدون الزواج منها بسبب راتبها، وتشتكي أن معظم الشبان السوريين متوترين لأنهم لا يملكون المال لتربية الأطفال حتى لو تزوجوا، ويشتكون في كل وقت من العمل والجيش؛ مما يشعرها بعدم الاستقرار في وجودهم. ولا تريد غفران شريكا على وشك الانضمام للجيش؛ فالعديد من الجنود لا يحصلون إلا على إجازة لمدة 3 أو 4 أيام شهرية، ولا تعرف من الأساس هل ستراه أم لا في الإجازة المقبلة؟
وأصبحت الكثير من النساء الأصغر سنا فريسة للرجال الكبار في السن بعمر الخمسين الذين يحاولون إقامة علاقات معهن، أو يسعون إلى زواج ثان نتيجة الصراع؛ وهذا ما حدث للكثير من النساء في دمشق.
وتتحسر غفران قائلة "لأن العديد من الرجال ماتوا أو انضموا إلى الجيش أو هاجروا فإن الرجال الكبار في السن يعتقدون أن لديهم فرصة، وتوافق الكثير من النساء؛ فالمرأة لديها رغبات أيضا وتريد أن تلبيها، وبعض النساء يعتقدن أنهن كبرن في السن وبقين عازبات ويخفن من أن يبقين وحيدات ولا ينجبن الأطفال؛ فيوافقن على الزواج من رجل كبير حتى يتبين لهن أن الرجال يريدون فقط المتعة ويسعون وراء الجنس". ويكون معظم هؤلاء الرجال متزوجين ويسعون إلى علاقة غرامية أو ممارسة الجنس فقط، وفي المناطق الريفية الفقيرة التي دمرتها الحرب والتي تقع خارج سيطرة الحكومة فإن الكثير من النساء غير المتزوجات يجري استغلالهم في علاقات غير مشروعة. وتجد الكثير منهن أنفسهن أرامل أو يعتمدن على المعونات من المنظمات غير الحكومية أو من الأمم المتحدة أو في أحسن الأحوال تبحث عن زوج جديد، وأصبح تعدد الزوجات في الريف السوري شائعا، ورغم أنه في السابق كان مجرد تقليد ثقافي وديني فقد أصبح اليوم ضرورة ملحة.
وتوضح يارا "يشعرن أنهن مجبرات على الزواج برجل متزوج لإنقاذ أسرهن؛ ففي بعض الأحيان يتزوج الرجل 4 زوجات فتترك النساء لتعاني". وتروي قصة أحد أصدقائها الذي أخبرها أنه أثناء خدمته جنديا في الريف فإن أحدهم قدم له ابنته للزواج مقابل 5000 ليرة سورية أي نحو 10 دولارات، وقال له والدها حينها "تزوجها واعتني بها، فليس لدي المال الكافي لإطعامها".
وتعتقد يارا أنه بين 10 إلى 20 % من صديقاتها أصبحن مثليات بسبب غياب الرجال، وتظهر هذه الظاهرة في البارات التي ترقص فيها النساء رقصات المثليات علنا على الطاولات، رغم أن المثلية الجنسية غير قانونية في سورية. متابعة "لقد صدمت، إنه أمر لا أقبل به أنه عادي، لكن الفتيات يلجأن إليه بطريقة أكثر صراحة في الوقت الذي أصبحت ثقافة البلاد أكثر عدوانية".
وكافحت غفران للعثور على الشريك المناسب حتى قبل الحرب، الذي تريد منه أن يعاملها بمساواة، والآن بالإضافة إلى الضغط المستمر بسبب العمل ومساعدة الأسرة فقد اكتسبت شهرة عالمية لأفلامها القصيرة، وتشير "حتى قبل الأزمة فالعديد من النساء السوريات يبقين في المنزل وينتظرن الزوج المناسب، أنا أرتدي الحجاب ولكني أمثل في المسرحيات ولدي عقل منفتح، وأعمل طوال الوقت، فأريد رجلا يحبني ولا يطلب مني أن أطعمه طوال الوقت، أريد رجلا يفهمني". مختتمة "هناك فرصة للكشف عن المعاناة الحقيقة للمجتمع، الناس غير راضية، فربما لا يجدون شخصا يدعمهم، وربما لا تجد النساء شخصا يرضيهن في السرير". وتفتقد شكران احتمالية أن تصبح أما؛ فسيكون من المستحيل على أي امرأة عزباء أن تربي طفلا وحدها في المجتمع السوري، وتقول "أريد أطفالا أكثر مما أريد الزواج، لكن علي أن أتزوج كي أنجب الأطفال هنا".
أرسل تعليقك