لندن - مصر اليوم
عندما تقرر دخول أي مغامرة جديدة، فعليك أن تدخلها بكل قواك، وأن تدعمها بكل ما لديك من إمكانات وطاقات. هذا، على الأقل، ما أكدته دار «بيربيري» عندما دخلت مجال العطور هذا العام، لا سيما أن الإمكانات لا تنقصها بحكم أنها ظلت تحقق الأرباح رغم الأزمة الاقتصادية العالمية. صحيح أن تجربتها في مجال العطور قصيرة جدا، إلا أنها سرعان ما انتبهت إلى أنها لكي تختلف عن باقي بيوت الأزياء عليها أن تتخصص وتشرف على كل صغيرة وكبيرة حتى تحافظ على استقلاليتها وشخصيتها. أول خطوة قامت بها هي إنهاء عقدها مع شركة «إنتر بارفان» في بداية العام، في خطوة كانت تفكر فيها منذ 2011، كجزء من استراتيجيتها لاكتساب المزيد من الاستقلالية والتخصص والحرية.
وجدير بالذكر بأن معظم الشركات وبيوت الأزياء، باستثناء «هيرميس» و«شانيل»، تتعاون مع عطارين مختلفين ومستقلين في كل مرة، للتنويع من جهة وخفض التكاليف من جهة ثانية، لكن «بيربيري» وضعت استراتيجية بعيدة المدى، غير عابئة بما قد يترتب عن هذه العملية من تكاليف تقدر بمئات الآلاف من الدولارات في السنة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأنف يحتاج إلى مساعدين ومختبر وخامات كثيرة لكي يستطيع أن يبدع. فهي، بقيادة مصممها كريستوفر بايلي، ترى أن هذه نقلة طبيعية تحتاجها لكي تكسب ثقة المستهلك وتحافظ على ولائه، وهو ما لا يمكن أن يتحقق من دون تقديم منتجات مختلفة عما هو موجود في السوق. والجميل في الأمر، أنها لم تستسهل المهمة، ولم تطرح عطرا نسائيا، بل اختارت أن يكون مولودها الأول عطرا رجاليا أطلقت عليه اسم «بيربيري بريت ريذم» (Burberry Brit Rythm)، يلخص التوجه الذي تتبناه الدار البريطانية منذ أن التحق بها مصممها الفني الحالي كريستوفر بايلي في عام 2001. فالمصمم برهن، منذ البداية، على أنه ابن عصره، يعشق التكنولوجيا بكل أشكالها، كما يهوى الموسيقى. وليس أدل على العشق والهوى من محلها الواقع «بريجنت ستريت» الذي يتميز بديكور خاص جدا، يتوفر على خشبة مسرح تجعل من الممكن تنظيم حفلات موسيقية خاصة تدعو إليها الدار مريديها وزبائنها الأوفياء بين الفينة والأخرى. هذه الفلسفة، أو بالأحرى الرؤية، هي التي ترجمت في «ريذم»، بنغماته الهادئة التي سرعان ما تتغلغل في الحواس، مخلفة إحساسا بالنشوة والسعادة يدوم طويلا. وحسب قول كريستوفر بايلي، فإنها سعادة تشبه «ذلك الإحساس بالأدرينالين الذي يجتاحك ويعصف بجوارحك عند سماع قطعة موسيقية، أو حين تعيش حالة الترقب التي تسبق ظهور فرقتك المفضلة على المسرح، أو فقط حين تستمتع إلى مقطوعة رائعة تسبب قشعريرة ينتصب فيها شعر البدن». لا ينكر كريستوفر بايلي أن الموسيقى كانت الملهم الرئيس عندما فكر في عطر رجالي يسجل لمرحلة جديدة من تاريخ الدار في مجال العطور. وهذا ما قال إنه شرحه لكل من دومينيك روبيون وآن فليبو وأوليفييه بولج، العطارين الثلاثة الذين التقطوا تعليماته بأنوفهم وترجموها في نغمات راقصة وغنية. ففي البداية، تنبعث منه نغمات تتمازج فيها خلاصات الريحان والهيل مع التوت والليمون والعرعر، قبل أن يتسلل من قلبه مزيج من روائح الجلد الأسود والباتشولي وراتينغ اللبان. أما النوتات السفلية والعميقة، فتعبق بخلاصات خشب الأرز والبخور وحبوب التونكا. كل هذه المكونات مجتمعة نجحت في أن تجعله عطرا مثيرا للحواس يدغدغها، لكنه أيضا يحفزها بنغماته الأشبه بالروك آند رول. وحسب قول كريستوفر بايلي، فإن كونه يلعب على مفهوم الجلد، إحدى الخلاصات التي دخلت في صناعته، وفكرة تماسه مع البشرة في تناغم حسي ناعم وفي الوقت ذاته يضج بالحيوية، يبعده عن مطب الوقوع في كليشيهات النوتات الرومانسية أو القوية النفاذية ويجعله شبابيا وحيويا.
أرسل تعليقك